تتحدد معالم رقي أي مجتمع من المجتمعات بانتظام أفراده في سلك متين الفضيلة، التي يتجاورون فيها في كيفية متسقة، وإذا نظرنا إلى «الرحمة» كمصطلح وتعمقنا أكثر في جوهره نرى أنه الأقرب إلى تهيئة أي أمة لترتقي مراتب الكمال الإنساني، وفي تاريخ الديانات السماوية عامة والإسلام خاصة، تقرر هذه القيم وتبنى، ويسعى في تأكيدها، بل واعتبارها ميزة سبقت كل ميزة، ومن خصوصية الإسلام ورحمته بالإنسانية، أن جعل من مبعث صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم جذوة من روحه، قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ـ الأنبياء: 107)، دلالة على أن الحياة من دون الرحمة هي ضرب من الجفاف.
بالرحمة أشرقت شمس الله على الأرض تغمر الموجودات، وبالرحمة تنادى الناس وبنوا دعائم مجدهم الإنساني، وبالرحمة عاشوا وبادروا لنجدة المنكوب وإغاثة الملهوف، ولعل الإنسانية وهي تجول في محيط من الآلام، تضج إلى الله، وإلى القلوب الرحيمة من المحسنين، عسى أن تنفك من أغلالها، وتتنفس الصعداء.
إن من يقلب بصره في كتاب الكون الفسيح، يشاهد أثرا لدخان النفوس المحترقة، التي عصفت بها حوادث الأيام، ويسمع أنين الحياة البائسة، وقد كسر الفقر والمرض والعطش من عزتها، وضيع من كرامتها، تبتغي في كل لحظة وسيلة للرحمة. لقد حفل تاريخ أمتنا المجيد بأنماط سلوكية ومظاهر حياتية، تبوأت الرحمة فيها منزلا كريما، وأسهمت بعلاج كثير من الآفات الاجتماعية، وعاش الناس في كنفها بقلوب موحدة، وعزائم مجتمعة، وآراء متناصرة، تقارب بين طبقات الإنسانية على السواء، فتأخذ بأيديهم إلى الحياة الناعمة والمعيشة الآمنة، فلا فروق ولا حواجز، حين سكبت فيهم قبسا نورانيا من فكرها ومن شريف رسالتها الرحيمة.
لقد استقى المجتمع من معاني الرحمة صورة ملموسة لروح الإسلام وجوهره، مجردة من رجس الأنانية ودنسها، وتسابق أفراده في همة لنشر الرحمة التي أصلحت سوءات المجتمع الإنساني، تنتشل البؤساء من شباك الاحتياج، بعدما حلوا في زوايا الإهمال زمنا، على هدي منه وبصيرة، كاشفة عن تآلف نفوس وتمازج أرواح، لقد مشت معاني الرحمة في مجتمعنا الكويتي بعدما وجدت أجواء صالحة تترعرع فيها، فازدهرت على أناس قد عسروا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وشاءت رحمة الله أن تتفرع مصادر الخير تضرب في خضم الحياة، تؤدي رسالتها في سبيل الله والواجب، قد آتت أكلها واقترب قطافها.
ومن مفاخر الكويت أن تحركاتها الخيرية التي جابت الأرض، والمبنية على صحة الاعتقاد، تعكس الخيرية المتجذرة في أهل الكويت وتثبت أن الكويت رائدة في صناعة الخير، فالجهد الذي تؤديه المؤسسات الخيرية في إعمار الأرض، وتحقيق التنمية المستدامة ليهنأ فيها الضعيف، يستحق أن يخلد، ولست أغلو، أن حضور المشاريع الخيرية الكويتية الحيوية، والممثل في: حفر الآبار، وبناء المستشفيات، والمدارس، والمساجد، وبيوت الفقراء، وكفالة الأيتام، وغيرها من صور الرحمة المنتشرة بالعالم، نفثة من روح الكويت وشعبها، وإني اثمن هذه التحركات التي سرت نفعا، وعمت رحمة سيبقى أثرها لمئات السنين.