شهد كل من التاريخ القديم والعصر الحديث انهيار الكثير من الدول بعد أن تعرضت لأشكال من الفوضى والفشل في مواجهة الظروف الصعبة على المستويين الداخلي والخارجي، فكان مصيرها إما فقدان الهوية والتلاشي، حيث لم تعد موجودة في عصرنا الحاضر، وإما الاستمرار في الفوضى والتفتت، كما نشهد في بعض دولنا الإقليمية في عصرنا الحديث. وتتمثل أسباب فشل المجتمع في عوامل كثيرة، لكنها كلها تعود إلى عاملين أساسيين يمكن تحديدهما بالجهل والخوف، مع احتمال ارتباط الخوف بالجهل بشكل واضح، فكل مجتمع يوجد به هذان العاملان لا بد أن يكون مصيره الفشل والتفتت والانهيار. ومع أن الكثير من الدول تجاوزت تعريض أفرادها للخوف من خلال اعتمادها على النظام الديمقراطي ومنحهم الفرصة للتمتع بقدر من الحرية، لكنها رغم ذلك ستكون عرضة لمصير غامض في حال لم تسع إلى التطور والتقدم من خلال التعليم المستمر والمستدام.
إن التعليم هو السلاح الذي يمكن أن يجنب الكثير من الدول الفوضى والفشل، ولأننا في الكويت، والحمد لله، كان النهج الديمقراطي مسارا اتخذناه منذ ما قبل نشوء الدول، فتجاوزنا معا عامل الخوف بالحرية، ما وضعنا في مواجهة العامل الآخر وهو الجهل بأشكاله المتنوعة، سواء كان بنقص المعرفة أو كان بالتوقف عن مواكبة التطور الذي تشهده الكثير من الدول المتقدمة، ولا أقصد تقليد هذه الدول أو اتخاذ الاستراتيجية ذاتها، بل لا بد لنا من الاستفادة من ذوي الخبرات والمختصين من أبناء الكويت ورجالاتها، وليس الاعتماد على الآخرين الذين يبحثون عن مصالح مادية خالصة. ولأن التعليم هو أساس النهضة والاستقرار والتطور في جميع مجالات الحياة، لا بد أن نوليه الأهمية التي يستحقها كونه نواة التطور وأداته، كما لا بد من المعرفة والإيمان بأن التعليم يبدأ من قاعدة الهرم وليس من رأسه، ما يتطلب منا وضع خطة طويلة الأمد تعتمد على نظام جديد في التعليم، حيث ينبغي البحث عن بدائل في الأساليب والخطط وتنفيذها، على أن يكون البديل المناسب المقترح من الممكن إخضاعه للتجربة والتقييم.
لماذا لا نقوم على سبيل المثال بتجربة مستقلة تتضمن إنشاء مدرسة في كل منطقة يكون كل شيء بها جديد سواء في البنيان أو في الخطط والأساليب وتنفيذها وفي آلية التعامل مع الطلبة، حيث يكون البناء صالحا للتعليم من حيث المناخ ومعدا بكاميرات المراقبة تسمح لمقيم التجربة بمعرفة كل حيثياتها وجزئياتها، ومن جهة أخرى يتم استقبال الطفل في عامه الثالث، حيث تمنح الأم إجازة أمومة لمدة سنتين تتفرع فيها للطفل ورعايته، ثم يتم إلحاق الطفل بالمدرسة ليبدأ بالتعلم، وتقوم بالإشراف على كل مدرسة من تلك المدارس شركة تعليمية عالمية بالتعاون مع نخبة من أبناء الكويت ذوي الخبرات والتخصص، ويتم إبرام عقد لمدة خمس سنوات يتم بعدها تقييم عمل هذه الشركات واعتمادها من خلال النتيجة أو تغييرها.
ومن الأهمية هنا أن تركز التجربة على إزالة عامل الخوف أو الرهبة من نفس الطفل، سواء كان الخوف من ولي الأمر أو كان من القائمين على المؤسسة التعليمية، فالرهبة لن تصنع التطور والتنمية ولا تؤدي سوى للفشل والتفتت المجتمعي والانهيار، والتنمية والتطور لا تأتي إلا من خلال الاحترام المتبادل والمحبة، وغرس حس الانتماء والولاء ومنح الحرية للتعبير عن الرأي، وبذلك نرى أن التعليم يكتسب أهمية إضافية كونه عاملا يجنب الإنسان الخوف، وغالبا ما تتحلى الشعوب المتعلمة بالشجاعة وعدم الخوف والرهبة.