الساعة الخامسة مساء والطائرة في طريق العودة إلى أرض الوطن كنت مستغرقة في قراءة كتاب «مناخ 82» لنادية الشراح والتفكير بالكم الكبير من القصص والمعلومات عن تلك الحقبة الزمنية، عندما امتدت يد المضيف الجوى لإغلاق النافذة القريبة مني، استنكرت ذلك فسعى لإقناعي بإغلاق النافذة والاستعاضة عنها بفتح إنارة الطائرة فرفضت، فالمنظر الرباني للسماء يخشع القلب والشمس تتوارى خجلا وراء السحاب والنور الرباني مريح جدا للعين، صمت المضيف خجلا وتركني لكتابي وحكايات فرسان المناخ.
بعد دقائق تناهى لسمعي صوت نسائي ذي نبرة حادة «لو سمحتي.. لو سمحتي» لم أعر الصوت اهتماما، ولكن النبرة أخذت في الارتفاع وزادت حدة الصوت «لو سمحتي أنا أكلمچ» التفت نحو الصوت فرأيت المضيف الجوى والحيرة ترتسم على وجهه يقف أمام شابة بعمر أبنائي رسمت وجهها الجميل بمكياج هادئ ولكن الرموش الصناعية أعطتها حدة كنبرة صوتها، وبصيغة أمر قالت: أغلقي نافذتك أريد أن أنام أنا متعبة لم أنم البارحة.
موقف محرج بالفعل يتطلب مني الهدوء التام وحسن التصرف، لذلك طلبت منها وببرود شديد أن تستعمل غطاء العين الذي أُهدي لنا في بداية الرحلة، صرخت الشابة بانفعال تام بأنها تريد النوم وعليّ إغلاق النافذة، فكان ردي الهادئ أن تتصرف بما يمكنها لتنام ثم أدرت رأسي وأكملت القراءة، طبعا لم يعجبها الرد فأكملت بتهكم وبصوت عالٍ جدا وقالت لمعارفها الذين بجانبها «علشان تقرا قصة تزعج الناس وما تخليهم ينامون». أعترف بأن كلماتها استفزتني فأنا كاتبة قصص ومعى قصة أنوي قراءتها بما يتبقى من الوقت، فأدرت رأسي لها وقلت بلهجة صارمة: معي كتاب.. وأنا لم أضايق أحدا، فهذا مكاني المحدد المهم أن يعرف البقية حدودهم. صمتت الشابة وغطت وجهها بقبعة البلوزة ونامت.
المواقف المحرجة تأتى على حين غرة، وهذا الموقف يثير أكثر من موضوع، فبعض الشباب للأسف يتعاملون وكأنهم أصحاب حقوق مثبتة وعلى الآخرين إفساح المجال لهم بالكامل وإلا فسينالهم الهجوم الكاسح ونسوا أن للآخرين حقوقا أيضا. اللباقة في التعامل وهو ما نسميه بالكويت بالذرابة تلاشت أمام أنانية بعض الشباب وارتفاع مستوى الأنا فسقطت من حساباتهم حشيمة واحترام من يكبرهم بالعمر، فلو أن الشابة تعاملت باحترام وبدون الاستعراض الهزيل أمام بقية الركاب والمضيفين لنفّذت لها مرادها وبكل هدوء.
هذا الموقف جعلني أوقن بأن كثيرا من المواقف المحرجة تحتاج فقط إلى الهدوء وسرعة التفكير مع حضور البديهة بلا تشنج ولا ارتباك، وأن الغضب إن لم نسيطر عليه فسيقودنا حتما إلى سلوك غير مقبول، ولا أخفيكم أنه كان لهذا الموقف إيجابية أيضا، فالمضيف قدم لي اعتذاره وأسفه وأصرّ على أن يخدمني طوال الرحلة وإن لم أطلب منه شيئا، فكان الشاي والقهوة والعصير لا يتوقف عدا المكسرات والفاكهة والبسكوت، وكما يقولون «رب ضارة نافعة».
[email protected]