قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن مصر بدأت في شهر مارس الماضي بتطبيق عدد من الإصلاحات التي طال انتظارها لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، ما أدى إلى خفض قيمة الجنيه المصري ورفع أسعار الفائدة بشكل حاد.
وأوضح التقرير أن هذه التحركات الجريئة جاءت بعد فترة وجيزة من تمكن الحكومة من تأمين احتياطي كبير من العملات الأجنبية من خلال إبرامها لصفقة استثمارية ضخمة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات لتطوير منطقة رأس الحكمة.
ومنذ ذلك الحين، استمرت سلسلة الأخبار الإيجابية والتي تضمنت موافقة صندوق النقد الدولي على تقديم قرض لمصر بقيمة 8 مليارات دولار (كانت قيمته 3 مليارات دولار سابقا)، إلى جانب موافقة البنك الدولي على قرض جديد بقيمة 6 مليارات دولار، وتقديم الاتحاد الأوروبي 8 مليارات دولار ما بين قروض واستثمارات.
وأضاف تقرير «الوطني» أنه على المدى القريب، سيواجه الاقتصاد المزيد من الرياح المعاكسة، إذ إن خفض قيمة العملة يسهم في استمرار ارتفاع التضخم والفائدة وتصعيد الضغوط على إنفاق الأسر والشركات، إلا أن الشهور القليلة المقبلة ستكون لها أهمية بارزة في تأكيد قدرة مصر على ترسيخ الاستقرار المالي والاقتصاد الكلي واستعادة ثقة السوق.
وتابع التقرير: «نرى أنه لكي يصل النمو الاقتصادي إلى مستويات +6% على أساس مستدام، يجب على الحكومة الالتزام بالإصلاحات الهيكلية الرئيسية الأخرى ومواصلة إحراز تقدم مستمر، بما في ذلك الحد من الاستثمارات العامة (من كل من الكيانات الحكومية وشبه الحكومية)، وإعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص لدفع عجلة النمو».
تقلص عجز الحساب الجاري
وأشار تقرير بنك الكويت الوطني إلى تقلص العجز بتجارة السلع في مصر بنحو 1.2 مليار دولار في الربع الأول من السنة المالية 2023-2024 إلى 8 مليارات دولار (1.9% من الناتج)، بدعم رئيسي من انخفاض الواردات بنسبة 15% على أساس سنوي.
وفي الوقت ذاته، اتسع الفائض في جانب الخدمات بنسبة 28% ليصل إلى 5.2 مليارات دولار على خلفية ارتفاع عائدات السياحة وقناة السويس خلال تلك الفترة (لم تبدأ الاضطرابات التي تعرضت لها قناة السويس إلا مؤخرا).
وبصفة عامة، تقلص عجز الحساب الجاري بنسبة 12% على أساس سنوي ليصل إلى 2.8 مليار دولار خلال هذا الربع. ونتوقع اتجاهات مماثلة خلال الربعين الثاني والثالث في ظل ضغوط صرف العملات الأجنبية التي تحد من تدفق حوالات العاملين واستثمارات الحافظة إلى سوق الدين بالعملة المحلية، إلى جانب الصادرات.
وبالنسبة للسنة المالية 2024-2025، نتوقع أن يبقى عجز الحساب الجاري في حدود 12 مليار دولار (2.6% من الناتج)، كما نتوقع أن ترتفع الواردات بنسبة 15-20%، إلا أن التأثير على العجز سيقابله انتعاش قوي لتحويلات المصريين في الخارج، واستمرار قوة العائدات السياحية، والحفاظ على سعر صرف أكثر مرونة، ما يجعل الجنيه المصري متسقا مع قيمته العادلة.
تحسن التمويل الخارجي
وذكر تقرير الوطني أن صورة التمويل الخارجي في مصر تغيرت للعامين/ ثلاثة أعوام القادمة بشكل إيجابي بفضل التغييرات التي طرأت على السياسات، إلى جانب اتفاقيات التمويل التي أبرمت في الأسابيع الأخيرة.
وتبلغ قيمة هذه الأخيرة مجتمعة 59 مليار دولار (48 مليار دولار بعد خصم قيمة الودائع الإماراتية المودعة لدى البنك المركزي المصري التي تم تحويلها إلى استثمار أجنبي مباشر) على مدى السنوات المقبلة (حتى السنة المالية 2025-2026)، والتي من المقرر أن يتم تسليم معظمها خلال العام الحالي.
ومن المقرر تسليم قيمة صفقة رأس الحكمة المبرمة مع الإمارات (35 مليار دولار) خلال السنة المالية الحالية، إذ تم تسليم 22 مليار دولار بالفعل والباقي في مايو 2024. وسيتم صرف القيمة المتفق عليها ضمن بقية الاتفاقيات - من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي - على مدى الثلاثة أعوام القادمة (7-8 مليارات دولار سنويا في المتوسط).
وبناء على ما سبق، توقع تقرير الوطني أن يصل صافي القيمة التراكمية لفجوة التمويل إلى 10 مليارات دولار على مدى العامين المقبلين حتى نهاية السنة المالية 2025-2026، ويمكن تغطية هذه الفجوة من خلال إصدار سندات مقومة باليورو بنحو 3-4 مليارات دولار سنويا، بالإضافة إلى إمكانية إعادة هيكلة الديون.
استمرار التضخم المرتفع
وقد تباطأت وتيرة التضخم إلى 33.3% على أساس سنوي في مارس بعد أن قفز إلى 35.3% (11% على أساس شهري) في فبراير. وقد يعزى ارتفاع معدلات التضخم في فبراير بصفة رئيسية لضعف الجنيه المصري الشديد في السوق الموازية بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 70 جنيها مصريا للدولار.
وبلغ متوسط التضخم 4.9% على أساس شهري خلال الفترة الممتدة بين شهري يناير ومارس، فيما يعد أعلى بكثير من 1.2% على أساس شهري في الربع السابق، وكما شهدنا في مارس آثار الجولة الأولى من خفض قيمة الجنيه، إلا أن آثار الجولة الثانية قد تمتد على مدار شهرين إلى ثلاثة أشهر (أبريل - يونيو).
ويشمل ذلك قيام الشركات بتسعير المنتجات بوتيرة مستمرة وارتفاع أسعار المرافق العامة (البنزين والكهرباء)، بالإضافة إلى امتداد التأثيرات السلبية من العام الماضي والتي قد تتسبب في عودة التضخم للاقتراب من 40% في الربع الحالي، قبل أن يبدأ في التباطؤ من يوليو وينهي العام دون مستوى 35%.
الفائدة تقترب من ذروتها
رفع البنك المركزي المصري الفائدة 8% في الربع الأول من 2024 (2% في فبراير ثم 6% في مارس) ليصل معدل الخصم إلى 27.75%، في حين وصل متوسط عوائد أذون الخزانة لمدة عام إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 32% خلال الأسبوع الأول من مارس، قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى 25.5% على خلفية تزايد الطلب على أدوات الدين المحلية.
وكان رفع سعر الفائدة بنسبة 6% من الخطوات التي تجاوزت كافة التوقعات، إلا أنها لم تكن كافية لتوفير عائد حقيقي إيجابي على المدى القصير، إذ بلغت العوائد الحقيقية، باستخدام سعر الخصم -6% في مارس وستبقى سلبية رغم إمكانية تحسنها بنهاية العام.