سبق أن تطرقت في مقالات سابقة إلى الآثار السلبية للأجهزة الذكية وانعكاسها على الأفراد نفسيا واجتماعيا، وكيف تبلورت لدى الأفراد اليوم أخلاقيات وطباع تختلف عن سابق عهدها، إنها تجربة لم تكتفِ أن جعلت العالم كالقرية الصغيرة بل جعلته كالبيت الصغير، الأمر الذي يفتح بابا للتطبع الاجتماعي بشكل كبير واستدخال ثقافات واتجاهات ملتوية على مجتمعاتنا، وعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة المنعكسة على البشرية اليوم، إلا أن السلبيات باتت تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع، الأمر الذي أدى إلى كسر قواعد الاخلاق التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، والتي تكمن وراء الظواهر السلبية والموبقات العصرية.
ومن تلك السلبيات الخطرة والمباشرة هي تقليص طاقة الصبر عند أفراد المجتمع، وهي أهم طاقة أخلاقية تتوقف عندها معالجة المشكلات الحياتية، فقد حث عليه الدين في قوله تعالى (فاصبر صبرا جميلا ـ المعارج: 5) ـ وقفة تأمل!
وقد نوهت في مقال سابق أن القيم الأخلاقية كالسلسلة الغذائية في الطبيعة، حيث كل قيمة أخلاقية تتغذى على قيمة أخلاقية أخرى.
فمن الأمور التي باتت من آثار تقلص طاقة الصبر عند الأفراد:
٭ انحدار المخرجات التعليمية عن سابق عهدها.
٭ تراجع أداء المعلمين في عطائهم التعليمي.
٭ تقليص أيام السنة الدراسية بمقارنتها عالميا.
٭ تراجع المهارات التربوية لدى المربين.
٭ اندثار القراءة كسلوك ومبدأ من مبادئ الإسلام في طاعة الخالق.
٭ التركيز على توافه الأمور لأنها لا تحتاج إلى طاقة من الصبر واهمال الأهداف الحقيقية التي تتطلب طاقة صبر كبيرة.
٭ سوء الظن وسوء التفاعل الاجتماعي وانحدار مهاراته.
٭ انحدار الوازع الديني.
٭ تراجع الأسرة في إنتاجها (إلا من رحم ربي).
٭ كثرة الحوادث والمشاجرات.
٭ التفكك الأسرى وكثرة الخلع والطلاق بين الأزواج، فقد قدرت حالات الطلاق على المستوى المحلي بحالة طلاق كل ساعة تمر في اليوم، وذلك لعدم القدرة على الصبر والتحمل والتي عززتها الماديات من جانب آخر.
إلى جانب فقد الاتزان العاطفي والانفعالي لدى الأفراد في التفاعل الاجتماعي، والكثير الكثير من التراجع القيمي الإنساني سببه يقع تحت مظلة تقلص طاقة الصبر لدى الأفراد.
ينسى الأفراد اليوم أنهم مأمورون بالصبر من الله عز وجل، وقد حث عليه بشدة وهو قيمة مهمة من القيم الإسلامية وذلك يرجع لأهميته في قضية مجاهدة النفس في سبيل الله عز وجل، وأن الصبر خلق يؤجر عليه في قوله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ـ الزمر: 10) فهو سبيل للجنة.
فالسرعة التي حققتها الأجهزة الذكية في التفاعلات والمعاملات كسلوك يمارسه الأفراد بشكل يومي على مدار الأربعة والعشرين ساعة وعلى مدار ما يقارب العشرين عاما مضت قد غيرت من طاقة الأفراد ونفسياتهم ومسار العطاء لديهم وثقافتهم الاجتماعية.. فهناك علاقة عكسية بين سرعة تطور التقنيات التكنولوجية والقيم الإنسانية، حيث كلما زادت سرعة التطورات التقنية تراجعت القيم الأخلاقية الإنسانية وفي مقدمتها طاقة الصبر، ومن أهم المقولات التي ألفت انتباه القارئ لها: أن جميع الناس لديهم أخلاق (أي الخلق الذي يعني المبادرة) ولكن ليس كل الناس تمتلك حصيلة قيم عالية، وهو الأمر الفاصل بين الصالح والفاسد، فكلما زادت حصيلة القيم زان الخلق.
sheikha_alasfoor@