لا يختلف اثنان على أن للرحلات المدرسية دورا محوريا لا يستهان به في تكوين شخصيات الطلبة، وتنمية معارفهم، إلى جانب ترويح القلوب وكسر الجمود الذي يحدثه الجلوس الطويل على مقاعد الدراسة. ومع قليل من التعمق في مآلات الرحلات والنزهات، تظهر لنا المزيد من الأهداف والغايات، والمقاصد والطموحات، التي يقضي فيها أبناؤنا تلك الأوقات والسويعات، فتتفتق من خلالها قرائحهم، وتصقل مهاراتهم، وتتأثر سلوكياتهم بالإيجاب أحيانا وبالسلب أحيانا أخرى.
حديثنا هنا عن مسؤوليات تضطلع بها المؤسسات المدرسية عندما تقرر إخراج طلبتها في نزهة، تحدد من خلالها الأهداف والقيمة المضافة، وتخضع لمعايير وضوابط، تكرس من خلالها القيم الدينية، والأعراف المجتمعية، والأخلاق النبيلة، بل وتعزز الانتماء الوطني، وتربط الطالب بقضايا الأمة وثقافتها، وتاريخها وحضارتها.
بعض إدارات المدارس ترفع لها القبعات، وتستحق التقدير والإشادات، لما تنظمه من رحلات هادفة، ذات رسالة سامية، لأنها تعتبر «الفسحة» فرصة ثمينة لغرس معان نبيلة في الأجيال وبث رسائل غير مباشرة في هذه التجمعات الطلابية التي تبقى محفورة في الذاكرة.
أعتقد أن هناك الكثير مما يجب التركيز عليه عند إخراج طلبتنا من ميدان الدراسة وجمودها إلى فضاء الحياة وعوالمها، فلدينا في الكويت متاحف أثرية، ووطنية، وأخرى علمية ومعالم دينية، ومصانع الإنتاج الوطنية، ومن ضمنها مزارع إنتاج الألبان والآيس كريم، ثم مزارع الخضار والثمار، والمشاتل النموذجية.
لن تكفي مادة التربية الإسلامية لوحدها دون أن نذهب بأبنائنا إلى المساجد والمكتبات وعلى رأسها مكتبة الكويت الوطنية، ومكتبة المرحوم بإذن الله عبدالعزيز البابطين، ونعرفهم على أمهات الكتب الدينية، وفي رحلة أخرى إلى الهيئة العامة لطباعة المصحف وعلوم السنة، ثم نجول بهم في رحاب مسجد الدولة الكبير فتمتلئ عيونهم بالتصاميم الإسلامية، وتفعم أرواحهم بالأجواء الإيمانية.
ولماذا لا نشبع فضولهم حول العلوم الكونية من الطب والفلك والهندسة والكيمياء فنأخذهم إلى جامعة الشدادية بأقسامها العلمية من طب وعلوم التكنولوجيا، وكذلك مركز العجيري، ومراكز الإطفاء والدفاع المدني، والمطار والطيران المدني، وفي مرة أخرى إلى غرف العمليات في المستشفيات، ليحتكوا بالأطباء ويعاينوا ما يستخدمونه من أدوات وما يوظفونه من تقنيات، ثم ينخرطوا في عمل المختبرات وأقسام الصيدليات؟
ما الذي يمنع من أخذهم إلى نوادي الفروسية والمركز العلمي، ومركز الشيخ جابر الثقافي، ومتحف شهداء القرين، والقرى التراثية، ثم القصر الأحمر وقصر دسمان، وستاد جابر، بدلا من إضاعة الوقت في أماكن فقيرة الأهداف وشحيحة القيمة، ولا طائل منها؟
في الختام: نرجو من المعنيين بوزارة التربية وضع معايير للرحلات والنزهات لتؤخذ في الاعتبار من قبل أي مؤسسة تعليمية، فلا يتم تجاهلها أو إهمالها، خصوصا أنها تتيح لأصحاب الرسالة السامية من المعلمين والمعلمات صب الكثير من الغرس في نفوس طلابهم المتعطشين للخروج من أجواء الدراسة المكتظة، وأعبائها المتنامية وامتحاناتها المرهقة.
كلمة أخيرة: من الجدير بالنظر والموجهين والمدرسين ألا يتركوا الرحلة المدرسية تمر مرور الكرام، فقطاف الثمار يكون من خلال الإصغاء إلى الطلبة عن مشاهداتهم المفيدة في الرحلة، والدروس المستفادة التي تعلموها، والمهارات المتنوعة التي اكتسبوها لتكون جزءا من تقارير هادفة تثري العملية التربوية وتنهض بها نحو الأفضل دائما.
[email protected]