ما إن نشر مقالي «أميرنا المفدى.. أشفيت قلوبنا» وذكرت فيه نظرية أهل الكويت الطيبين وهي «الشيوخ أبخص» حتى انهالت علي أسئلة من شبابنا الطيبين (أيضا) يريدون شرحا دقيقا، قولا وعملا، فأجلستهم وبدأت أشرح، وقلت لهم: «الشيوخ أبخص» جملة من كلمتين: «الشيوخ» وهم ولاة الأمر أو أصحاب القرار في كل منصب، ورمز لكل مسؤول كبير، مثل جملة «أوامر عليا» حين يقولها رئيس قسم في وزارة.
أما كلمة «أبخص» فتعني أفهم، وأعلم، وأدرى، وهذه الكلمات الثلاث لا تنطبق إلا لمن لديه علم وخبرة، وذكاء، ودراية بالأمور، يضاف على ذلك أن حوله الكثير من المستشارين والخبراء يستنبط من آرائهم القرار السديد الذي يصدره.
وردا على تسائلكم، سأروي لكم مثالا واقعيا حدث منذ 80 عاما تقريبا، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة تدهور الاقتصاد العالمي عامة، فما بالكم بإمارة صغيرة تجلب طعامها وشرابها وكل مستلزماتها من الخارج، ففي ذلك العام ارتفعت أسعار الماشية والأغنام إلى الضعف، وتضاعف سعر كيلو اللحم، فتذمر أهل الكويت وبدأ اليأس يتغلب على صبرهم، فاجتمع كبار القوم في إحدى الدواوين، وقرروا أن ينقلوا تذمر واستياء أهل الكويت من ارتفاع سعر اللحوم إلى ولي الأمر سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر، حاكم الكويت آنذاك، رحمه الله، فاستمع لهم سموه وقال لهم سنتخذ القرار المناسب، ثم أصدر الشيخ أحمد الجابر قرارا «برفع سعر اللحوم» أكثر مما كان مرتفعا، فساد التعجب والاستغراب من القرار العجيب لسمو الأمير الشيخ أحمد الجابر والمناقض لما كانوا يسعون إليه وهو خفض الأسعار، وندموا على شكواهم، ولأن أهل الكويت الطيبين أصحاب النوايا الطيبة، تقبلوا الأوامر الأميرية بصدر رحب وطاعة لله الذي أمر بطاعة ولي الأمر، فما هي إلا أيام معدودات حتى انتشر خبر الأمر الأميري برفع سعر اللحوم في الكويت وذاع بكل الدول والجزيرة العربية، حتى سارت قوافل الماشية من أغنام وأكباش متجهة إلى الكويت عبر الصحاري القاحلة والجو الحار، آملين بعد هذا العناء أن تباع كل ماشيتهم بهذه الأسعار، وفي الكويت وجدوا الشعب لا يستطيع أن يشتري بهذه الأسعار، فمرت أيام وزادت تكلفة تجار الأغنام من علف وماء وغيره، والخسارة الثانية أنهم لا يستطيعون العودة بماشيتهم إلى ديارهم مرة ثانية لشدة العناء، وبعملية حسابية وجد تجار الأغنام أن بيع سلعتهم اليوم قبل غد يعتبر ربحا، و«الشاطر من سبق»، والعودة إلى ديارهم بالنقود.
ونتيجة لما سبق، انخفضت أسعار الأغنام واللحوم إلى أقل مما يتمناه الكويتيون، بفضل الله ثم بالسمع والطاعة، وحسن النوايا، فاستبشر الكويتيون خيرا، ورددوا قلنا لكم «الشيوخ أبخص».
وحين سئل الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، عن سر هذا القرار، أجاب، رحمه الله، بقوله: تعرفون أن الكويت بلد حر وتجارته حرة، وكان بإمكاني أن آمر بخفض الأسعار، فيمتنع التجار عن البيع، وينقلون ماشيتهم إلى دول الجوار، وتقل سلعتهم في السوق، فترتفع الأسعار أكثر ولن تحل المشكلة، فنظرت نظرة أبعد، فالمثل يقول «سوق الغلاء جلاب»، فأغريت وشجعت تجار الماشية بجلب ماشيتهم وعرضها في السوق، وكما هو معروف إذا زاد العرض قل السعر، لذلك لله الحمد والشكر تم ذلك ولم يجبر أحد على البيع أو الشراء جبرا، وبهذا استفاد المواطن المستهلك والمواطن تاجر الأغنام بزيادة ما يملكه.
لذلك، يا شبابنا الطيبين ثقوا بأن قيادة البلد في أيد أمينة، وفكر مستنير، وكما قال آباؤنا: «الشيوخ أبخص».
[email protected]