يمثل مستشفى جابر الأحمد واحدة من أيقونات المشاريع الحكومية المميزة التي افتتحت خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو في هندسته المتألقة وأبراجه الخمسة، وارتفاعه الشاهق الذي يبلغ 65 مترا وطاقته الاستيعابية الكبيرة، وموقعه الإستراتيجي ومساحته الفسيحة كمستشفى احتل المرتبة السادسة على مستوى العالم إنما يمثل مفخرة لدولتنا الحبيبة، على الأقل بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، بل حظي مستشفى جابر بإعجاب منظمة الصحة العالمية ودول ومؤسسات صحية حكومية وأهلية، ولاقى استحسانا منقطع النظير من المواطنين وذويهم، ومن مرافقيهم وزائريهم.
ومقابل هذا الإنجاز المهيب تتزايد حالات العلاج خارج أسوار بلادنا وبعيدا عن مستشفياتها الحكومية أو الخاصة، فأرهقت ميزانية الدولة واكتظت بفواتير هذا الملف رغم تشديد القبضة عليه مؤخرا وإخضاع الحالات للجان فنية متخصصة قبل إيفاد أي حالة للعلاج في دولة أخرى.
وفي خضم هذه المعطيات الإيجابية منها والسلبية، وما تستدعيه الحاجة الماسة والضرورية، تبرز بعض الأفكار الخلاقة للنهوض بمنظومتنا الصحية، أذكر منها هنا توظيف مستشفى جابر الأحمد كصرح معماري مجهز ومؤهل لتحويله إلى وحدة إقليمية، خليجية وشرق أوسطية، بإدارة حصيفة عالمية، مخصصة للتخصصات النادرة في جراحة المخ والأعصاب وزراعة الكبد والكلى والبنكرياس وتركيب الغضاريف، وقبل هذا كله علاج السرطانات الأكثر شيوعا في العقود الأخيرة، وعلى رأسها سرطانات القولون والمستقيم والمعدة والرئة، والبروستاتا والبنكرياس والثدي وعنق الرحم، نسأل الله أن يعافي المبتلين بها وأن يدفع أذاها عنا وعن جميع المسلمين.
إن وجود مستشفى بهذا التوصيف في دولتنا كفيل بوقف السيل الجارف من فواتير العلاج بالخارج التي حصدت من ميزانية الدولة مليارات الدولارات، استفادت منها جهات ودول أخرى في إنعاش اقتصاداتها وتعزيز ريادتها وإثراء مكانتها في الجانب العلاجي.
إن جرعة من التفاؤل المحق كفيلة بترجمة هذا الطموح على أرض الواقع، مدعما بجدية حكومتنا الرشيدة وعزيمتها المتوقدة في النهوض بالجانب الصحي من خلال تجربة ثرية ورؤية واعدة.
الإمكانات التي نمتلكها في الكويت تساعد في تحويل مستشفى جابر إلى أيقونة رائدة ومكانة مرموقة لعلاج أمراض هذا العصر والاستفادة من أحدث الطفرات العلاجية وتقنيات الخلايا الجذعية والجينات الوراثية، وأعتقد أن جل ما نحتاجه هو إيكال هذا الملف إلى جهة استشارية صحية دولية، توفر احتياجاتنا من كبار المتخصصين حول العالم من طواقم طبية وتمريضية وإدارية على أعلى مستوى، ثم مباركة الخطة بموافقة الحكومة، انتهاء بتنفيذ هذا الحلم من قبل إدارة عالمية وإسدال الستار على ملف العلاج بالخارج بالكلية.
ومن أجل السمو بهذا الصرح الإقليمي، يتم التعاون مع كل من مركز الكويت لأبحاث السرطان ومستشفى حسين مكي جمعة، ثم عقد المؤتمرات والندوات، وجعل الكويت نقطة لنشر الأبحاث والدراسات، واستجلاب جهابذة الأطباء وكبار المستشارين العالميين ذوي الكفاءات النادرة والعالية من نفس وجهات العلاج بالخارج، أميركا وبريطانيا وكوريا وألمانيا وكندا والتشيك وتركيا والصين، وتمكينهم من الإقامة لإدارة الأعمال في هذا المستشفى الواعد، والتعاون مع مستشفيات القطاع الخاص في دولتنا الكريمة للاستفادة من الأطباء الزوار، وإذا أفزعتنا الكلفة المادية لخطوة القرن هذه، فلنتمعن في المصاريف المخيفة التي سيتم توفيرها لاحقا من الميزانية الكبيرة للعلاج بالخارج.
في الختام: إن تحويل مستشفى جابر إلى وحدة للتخصصات النادرة سيكون بمثابة قفزة القرن لدولتنا، وانتصارا كبيرا لأمتنا على مبدأ اللجوء للآخرين، وريادة فريدة في علاج السرطانات والأمراض التي تفوق في علاجها الآخرين، وبعد ذلك ستفتح شهية الغيورين في دولتنا لتعزيز هذه النقلة النوعية وستغدو دولتنا وجهة مقصودة من دول الجوار وغيرها.
كلمة أخيرة: حلم كل كويتي ابتلاه الله بمثل الأمراض الآنف ذكرها، أن يخضع للعلاج في دولته، قريبا من أهله وخاصته، مشمولا برعايتهم ومحاطا بعنايتهم، مما يبعث الأمل ويرد الروح، فهذا الجزء النفسي داعم فعلي للاستشفاء بدلا من التغرب بعيدا عن الأوطان أو الموت بمنأى عن الأقارب والخلان.
[email protected]