لولا وصول حالة «الفلتان» و«الغوغائية» في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر الأخبار وتناقل الشائعات إلى حد الفظاعة لما انتفضت وزارة الإعلام مشكورة من خلال وكيلها المساعد متوعدة بوضع حد لهذا السيل الجارف من الأخبار الكاذبة و«المبهرة» والتي كانت وما زالت ترسم تصورات مجتمعية مشوهة عما يحدث بدقة في عالمنا، وعلى الأقل رقعتنا المحلية.
لم يكن أحد يتخيل أن تصبح عقول الناس مرتهنة لحسابات شخصية يملكها أفراد عاديون أو مشاهير أو حتى لمواقع أخبارية إلكترونية مرخصة، نجحت كلها في الاستحواذ على حصة مؤثرة من كيكة «الرأي العام» وتشتيت أذهان الجمهور، وإشغالهم ومصادرة انتباههم، بأخبار وإشاعات تقتحم هواتفهم عنوة دون استئذان، ودون دفع أي قيمة لها بل بالمجان، مقارنة بالعمل المسؤول والحرص على الإتقان الذي تضطلع به الصحف المحلية والوسائل الإعلامية الموثوقة.
تكلمت في مقالة سابقة عن هبوط محتوى السوشيال ميديا الطافح بالمحرمات والمليء بالتفاهات التي يراد منها أن تكون ثقافة المجتمع واهتمام شبابه وبناته، ويكون مثلهم الأعلى في ذلك مشاهير وشخصيات أقل من عادية لم يكن لهم قبل هذه الطفرة أي وزن أو قيمة علمية أو مجتمعية، مما يستدعي دق ناقوس الخطر، وأن تقوم وزارة الإعلام مشكورة بمهمة وضع ضوابط لحراسة قيمنا وحماية أعرافنا التي يخطط أعداؤنا كي تندثر وتمحى من الذاكرة، ليحل مكانها سطحية مبرمجة ذات رواج منقطع النظير، فتنال من القيم والدين، وتطلق نيرانها على ما تبقى من الذوق و«الذاربة» والأخلاق والكياسة.
لكني هنا أتحدث عن وسائل التواصل من زاوية أخرى، تتجلى في زخات متفرقة، وموجات عشوائية، متنوعة ولا متناهية من الأخبار الكاذبة والتحليلات السخيفة والاستفتاءات المريبة ونتائجها الغريبة، والافتراءات العجيبة التي يذيلها جمهور المتابعين بتعليقات تكرس انقساما مجتمعيا، فينتج عن ذلك نشر الفتنة وتضليل المجتمع وتهويل الصغير وتقليل شأن الكبير، وذلك لأهداف متفاوتة أرخصها حصد متابعين من مهتمين بما ينشر، أو لاهثين وراء سراب أو غرقى يبحثون عن عود قش يتعلقون به.
وكثير من الأخبار المغلوطة يراد منها التلاعب بعواطف الناس المتقاعدين والموظفين والمتزوجين والمطلقين، والباحثين عن عمل والعاطلين، والمنتظرين للسكن والطلبة والعسكريين، يجتهد أصحاب الشائعات في دغدغة مشاعر المواطنين و«تعشيم» الآخرين بأخبار سارة في ظاهرها، وكاذبة ومضللة في محتواها.
وفي منظومة الكذب الإعلامي أشخاص عاديون جندوا أنفسهم لخدمة هذه المنظومة «بالمجان» فتراهم يسارعون في نشر ما وصل إليهم بلا ترو ولا تحقق، دون تثبت من المعلومة أو تأكيد من الجهات الرسمية، فيصبحون بدون قصد أدوات رخيصة وبيادق مجانية بأيدي من يحيك للأوطان مكرا ويتأبط شرا.
في الختام: نناشد وزارة الإعلام المضي في توجهها ضد مروجي الشائعات، وسن أشد العقوبات، وفرض الغرامات وتوجيه الإنذارات ثم سحب التراخيص وإغلاق الحسابات التي تتلاعب بعواطف الآخرين وتثير الانقسامات المجتمعية والنزعات الطائفية والعنصرية، وملاحقة صاحب الخبر الكاذب، ومراقبة التعليقات من الحسابات الشخصية، وما فيها من محتوى هابط أو أخبار وهمية.
كلمة أخيرة: الأمن الإعلامي جزء من الأمن المجتمعي، وضبطه بالشكل الذي ينبغي سيحقق الاستقرار لدولتنا ومنع المحدقين شرا بمجتمعنا، وإن اكتفاء الجهات المعنية بالنفي وطلب تحري الدقة لن يرقع ما تم شرخه دون محاسبة شديدة وعقاب مجز.
وأنت.. لا تفرح بالسبق ولا تنشر كل ما يصل إليك، وحذار أن تكون من حيث لا تدري أداة للنيل من أمتك ودينك ومجتمعك.. والله خير حافظا.
[email protected]