شكل التقدم التاريخي لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي زلزالا مدويا بدأت ارتداداته على الفور، وانتكاسة مريرة لزعيمي القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن حل الجمعية الفرنسية ودعا لانتخابات تشريعية في 30 يونيو.
وجرت الانتخابات، التي دعي إليها أكثر من 360 مليون ناخب لاختيار 720 عضوا في البرلمان الأوروبي، منذ الخميس في مناخ مثقل بالوضع الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا.
وفي فرنسا، تصدر حزب التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا النتائج بنسبة تزيد على 32% من الأصوات، متقدما بفارق كبير على حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس ماكرون (15.2%)، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع. وبذلك، سيحصل حزب الجبهة الوطنية على 31 من أصل 81 مقعدا فرنسيا في البرلمان الأوروبي.
وفي ألمانيا، ورغم الفضائح الأخيرة التي طالت رئيس قائمته، احتل حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف المركز الثاني بنسبة 16% تقريبا من الأصوات، خلف المحافظين حوالى 30%. لكنه تقدم بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، الاشتراكيين الديموقراطيين (14%) والخضر (12%).
وفي إيطاليا، تصدر حزب «إخوة إيطاليا» اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني.
وأيضا في النمسا، حصل «حزب الحرية» اليميني المتطرف على 27% من الأصوات، وعزز الهولنديون ـ الذين كانوا أول من أدلوا بأصواتهم الخميس ـ موقف حزب خيرت فيلدرز اليميني المتطرف.
وفي إسبانيا، أظهرت النتائج الرسمية حصول الحزب الشعبي اليميني، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على 22 مقعدا في البرلمان الأوروبي مقابل 20 للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحقق حزب «فوكس» اليميني المتطرف تقدما بحصوله على 6 مقاعد.
ويبقى الأمل في كبح جماح اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، هو انقسامه إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد، بسبب خلافات كبيرة بينهما، خاصة فيما يتعلق بروسيا.
ويرى سيباستيان ميلار من معهد جاك ديلور في تصريح لوكالة «فرانس برس» أن «أصوات اليمين المتطرف واليمين السيادي لا يمكن جمعها معا، وهذا سيحد من وزنهما المباشر في المجلس التشريعي». وبينما يتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعا في القضايا الحاسمة: الدفاع ضد روسيا التوسعية، والسياسة الزراعية، والهجرة، والهدف المناخي لعام 2040، ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن «حزب الشعب الأوروبي هو أقوى مجموعة سياسية.. وهذا مهم، سنبني حصنا ضد متطرفي اليسار واليمين، وسنوقفهم».
وفي أوضح ارتدادات هذا الزلزال، بدأت في فرنسا أمس حملة انتخابية خاطفة بعد أن فجر ماكرون مفاجأة من العيار الثقيل عندما أشهر سلاحا دستوريا نادرا ما يستخدم في فرنسا وحل البرلمان ودعا لانتخابات مبكرة في 30 الجاري، في مجازفة رئاسية كبيرة تضع اليمين المتطرف في موقع قوة وتغرق البلاد في غموض سياسي، بعد الفوز الكاسح للتجمع الوطني اليميني في الانتخابات الأوروبية بحصوله على عدد أصوات يفوق ما جمعه حزب «التجدد» الرئاسي، على أمل إعادة توزيع الأوراق بين القوى السياسية الفرنسية.
وجدد ماكرون التأكيد أمس أنه «يثق بقدرة الفرنسيين» على «القيام بالخيار الأنسب». وكتب عبر منصة «إكس»: «أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الأنسب له وللأجيال المقبلة. طموحي الوحيد هو أن أكون مفيدا لبلادنا التي أحب».
وقد تشكل حكومة جديدة في فرنسا فيما تستعد باريس لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية من 26 يوليو إلى 11 أغسطس. وأكد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ أن هذه الانتخابات «لن تعكر صفو الألعاب الأولمبية» في باريس.
وفي حين يسعى اليسار لتجاوز انقساماته، لم يكن التجمع الوطني يوما قريبا من السلطة كما هو عليه اليوم، وقد باشر حملته من دون تأخير، وبات رئيسه الشاب جوردان بارديلا البالغ 28 عاما الذي قاد بنجاح قائمته للانتخابات الأوروبية، مرشحا من الآن لمنصب رئيس الوزراء في حال الفوز في الانتخابات التشريعية.
وشددت سيلين براك المديرة العامة لمعهد أودوكسا لاستطلاعات الرأي على أنه قرار «له وقع الصاعقة» وينطوي على «مجازفة كبيرة» في وقت «ثمة إرادة قوية جدا لدى الفرنسيين لمعاقبة رئيس الجمهورية».
وبعد هزيمته المريرة، يبدو الائتلاف الحكومي الالماني بزعامة أولاف شولتس ـ الذي يشهد خلافات ـ بالفعل أضعف من أي وقت مضى، فيما تتزايد الدعوات إلى تغيير السياسة أو حتى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وسارع المتحدث باسم الحكومة شتيفن هيبشترايت إلى الرد، مؤكدا أنه لم يتم تناول خيار إجراء انتخابات مبكرة الذي طالب به اليمين المتطرف والزعماء المحافظون، مشيرا إلى الاختلافات الكبيرة بين النظام الفرنسي والنظام الألماني.
وحقق «ائتلاف الخاسرين»، كما وصفته صحيفة «تسودويتشه تسايتونغ» الألمانية التي تنتمي إلى يسار الوسط، نتائج أكثر كارثية في شرق ألمانيا، حيث من المقرر أن تشهد ثلاث ولايات انتخابات إقليمية في سبتمبر، وتقدم اليمين المتطرف بفارق كبير في انتخابات الأحد في هذه المناطق.
وفي بلجيكا، قدم رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو الاستقالة الجماعية لحكومته إلى الملك فيليب الذي قبلها وطلب من دي كرو الاستمرار في إدارة الشؤون الراهنة حتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة. وعلى صعيد ردود الفعل الدولية، أكد «الكرملين» أنه يتابع «بانتباه» صعود أحزاب اليمين المتطرف التي تعتبر عموما أكثر تأييدا لروسيا، بعد انتخابات البرلمان الأوروبي.