في الفجر فاضت روحك الطاهرة، في الليالي العشر، أفضل أيام الله، يا طارق.. أتاك الطارق، إنه الطـــارق «اليقين»، فكنت كما أمر الله عز وجل (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين). رغم هول الفاجعة ومرارتها، إلا أننا نشعر بنعمة الصبر، والرضا بحكم الله وقدره، وبمعرفتنا أن فقيدنا رحل إلى ربه بقلب سليم، وسريرة بيضاء طاهرة، وهذا ما نحتسبه على الله الغفور الرحيم.
آه.. يا طارق الحب والخير، يا طارق صلة الأرحام، كم أنت مميز بكل شيء، حتى بفراقك، رغم أنه كان يوم جمعه لكنه كان الفراق.. جمعتنا بالمقبرة لتودعنا، قلوبنا مقبوضة، ودموعنا مسكوبة، ودعاؤنا لك بالرحمة والغفران والتوبة، افتقدناك يوم الأحد يوم عيد الأضحى، وسنفتقدك كل أحد، حيث يجمعنا الغداء ببيت خالتك بيت عمي النوخذة أحمد السبيعي بالروضة، سيبقى كرسيك على رأس المائدة خاليا، وصحنك من الطعام فارغا، نملؤه لك دعاء وتثويبا، وأن يطعمك ربي من ثمار الجنة، ويجمعك مع سكانها من الأنبياء والشهداء والصالحين.. اللهم أفرغ علينا صبرا وإيمانا بقضائك، إنه أمر الله الخالق.. المحيي والمميت، لا اعتراض على حكمه سبحانه، قال تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون)، فصبر جميل والله المستعان.
رغم أن المصاب جلل، لكن رحمة ربي واسعة، فبصــمات ابــن الزعيــم طارق بن محمد البراك بارزة وآثارها تنطق بالحق، كان أول مــدير لشركة التموين الحكومية، التي توفر لشعب الكويت المواد الغذائية الأساسية كل شهر، لتقاوم جشع البعض وتعين أهل الكويت، كان تأسيسها على قواعد صلبة بفضل حسن إدارتها، فأصبحت أصنافها ذات جودة عالية. كان رحمــه الله يسافر بنفسه ليختار أفضل أنواع الرز والعدس والماش وغيرها فقد كانت له خبرة بذلك. كان يقول لي: كنت آخذ بقبضة يدي من الرز وأضعه على ورقة وأحسب عدد الحبات المكسورة من الصحيحة لأعرف جودة الرز، وقد شهد له بذلك كل من أكل «عيش التموين»، ليس ذلك فقط، فحليب التموين أصبح كسبيكة الذهب تجده بكل قارات العالم نتيجة جودته. لو عددنا مآثر أبومحمد فلن تكفي الصفحات، كان رياضيا وقدوة في الأخلاق الرياضية، وأحد مؤسسي نادي كاظمة الرياضي بالعديلية، وعضو مجلس إدارة لأول اتحاد تنس الطاولة، يعتبره كل الرياضيين أبا، لا يعرف التعصب ولا يحب الأضواء والشهرة، يعمل بصمت.
أثـنـاء الـغـــزو الـغـاشـم أبى أن يغـــادر وطنه، رغم أنـــه كــان يعاني من حساسية بالـــرئة، وكان هـــواء الكويت ملـــوثا بالبـــارود وحـــرائق النفط، كان أحد أبطال المقاومة، وكان بما يملكه من حكمــة، وبلاغة في القول والذوق، يسعى ويجــادل لفك شباب الكويت الأسرى لدى جيش الاحتــلال العراقي وبكل وسيلة مادية أو معنوية، وشهد له بذلك بعض من فك أسرهم بمقابلة تلفزيونية، رحمك الله يا أبومحمد.. ما نعرفه عنك من خصــال حميـــدة، وسمــعة طيبة، وإرث وطني شامخ، يجعلـنــا نرفع رؤسنا فخرا وعزا لصلتنا بك، نسأل اللــه العلي القــدير ان يسكنك فسيح جناته، ونعــزي الكويت التي أحببتها وأحبتك، ونعزي أنفسنا، وتعازينا الحارة لأخــتنا السـيـدة الفاضلة عواشه فيصل الزبن زوجته، والــى أبنــائه محمد وزياد وخالد وديمة، عظم الله أجــركم وأحسن الله عزاءكم ورحم الله فقـيدنا، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
[email protected]