بكل المعاني المشغولة بأحزان الفقد، وألم فراق الأعز،.. رحلت صديقتي ومستشارتي.. رحلت ظهري وسندي.. رحلت الغطاء والأمان.. رحلت الملهمة النفسية.. رحلت أيقونة الخير والعطاء.
أُم مبارك كانت لي وطنا ورمزا.. كانت مسبارا فلم يضل معها دربي رغم قسوة الحياة وتداخل الطرق وتفرعها.. كانت الحكيمة التي رسخت قناعاتي وقناعة كل من عرفها بجدوى المتاجرة مع الله، أُم مبارك كانت أمة لم تغلبها الدنيا حتى في مرضها.
قبل أن ترحل عاشت حياتها في خدمة الفقراء والمساكين وخدمة كل من حولها بكل طاقاتها وإمكاناتها، فتجددها في العطاء وسخاؤها مع المحتاجين جعل منها ظاهرة فريدة وعظيمة في حياتها ووفاتها، تستمد قوتها من رحلة كفاح طويلة وعمل في الخير والعطاء ظلت خلالهما سندا وعونا للبسطاء بشهادة القريب والبعيد.
رحلت بعد أن باتت وطنا للخير والعطاء بإنسانية فريدة، فحبها للخير والعطاء كان المحرك الدائم لأفكارها وقراراتها في الحياة..
عندما كنت أمازحها بالقول «خففي إنفاقك على الفقراء ولو قليلا تحسبا للدنيا وغدرها» كانت تقابلني بجدية «ومن قال لك إنني لست حريصة على تعظيم ثروتي والتخلص من كل مصروف غير مدر، فما أقرضه لله في الدنيا يضخم رصيدي في الآخرة..».
كانت لديها عادة تميزها وهي أنها كانت تستعد للموت في كل لحظة فقبل أن تغمض عينيها في كل ليلة كانت تجمع ضميرها وقلبها وعقلها وتسترجع معهم شريط يومها بأسئلة متكررة وأجوبة لا تعرف المجاملة «هل ساعدت اليوم أحدا...؟ ماذا قدمت باختصار ما بصمتك اليوم؟».
رحلت التي كانت في حياتها وبعد مماتها قصة تحكى للأجيال..
رحلت الطاهرة يوم عرفة أقدس أيام السنة، ولا أزكيها على الله كأنه سبحانه كرمها بأن يكون يوم رحيلها يوم ينزل تعالى الى السماء الدنيا.
وفيما نؤمن بقضاء الله وقدره ورغم عظيم الابتلاء ومرارة الأسى سأظل على العهد باقيا وعلى الوعد وافيا وللخبيئة بينك وبين الله حافظا وللوصية منفذا.
ابنك عبدالرحمن النومس