خلق الله عز وجل هذا الكون الواسع وكل ما فيه بدءا من حبات الرمل الصغيرة والذرات وصولا إلى المجرات والنجوم والكواكب. وعلى الرغم من التطور التكنولوجي والمعرفي الذي توصل إليه الإنسان فإنه لم يستطع إلى الآن تحديد حجم الكون وسعته، فهو سبحانه وتعالى الخالق الوحيد لهذا الكون، والذي أبدع كل شيء خلقه، فكل شيء موجود في هذه الحياة له دور وهذا الكون يسير وفق نظام عالي الدقة، فقد قال سبحانه وتعالى: (إنّا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر 49).
فالقلم خلقه الله عز وجل قبل خلق السموات والأرض والخلائق بخمسين ألف سنة، وذلك ليكتب مقادير الخلائق. ويقول عبادة بن صامت رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب وماذا اكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة» يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني. أي إنه على غير إيمان بالقضاء والقدر.
وقد اختلف العلماء في تعريف القضاء والقدر فمنهم من عرفهما مجتمعين وجعلهما شيئا واحدا. ومنهم من عرف القضاء بأنه إيجاد الله للأشياء حسب علمه وإرادته. أما القدر فهو علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل. وقد سئل الإمام أحمد عن القدر فقال: «القدر هو قدرة الرحمن» وقد أخذ هذا من قوله تعالى: (قل إن الأمر كله لله) (آل عمران: 154)، وقال الطحاوي: كل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة العباد إلا ما شاء الله، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا يجوز الخوض في القدر، كما قال تعالى: (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) (الأنبياء:23).
الإيمان بالقضاء والقدر دليل قوة الإيمان ومجاهدة النفس، وهي أساسية لتكوين شخصية المسلم الذي يحبه الله. ومن وسائل تدريب النفس العملي على الإيمان بالقضاء والقدر صلاة الاستخارة، ففيها يسلم العبد المسلم بالقدر، وأن ما يحدث له هو الأصلح والأنفع.
كذلك لابد من معرفة أن القدر خير وشر، فالقدر حكمة وعدل ورحمة من الله سبحانه الذي قضى لتقدير المصائب والبلايا وكل ما يكرهه الإنسان لحكم كثيرة منها الاختبار والتمحيص للإيمان بالقلب، فقد قال سبحانه وتعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) (الأنبياء: 35). أيضا الإيمان بالقضاء والقدر فيه التربية والتأديب والجزاء المعجل لكي يعود الإنسان إلى رشده ويرجع عن خطئه، فما يصيب الإنسان من سرور فهو نعمة بينة وإن كان سيئا فهو نعمة لأنه يكفر بها عن خطاياه ويثاب عليه بالصبر، ومن جهة أخرى فيه حكمة ورحمة لا يعلمها العبد، فقد قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة:216)، وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى الصبر.
ومن فوائد الإيمان بالقضاء والقدر راحة البال، طمأنينة النفس، انشراح الصدر، سعادة القلب، العلم بالأجر الكبير من الله تعالى، عدم الخوف من البشر، عدم الحسرة على الماضي، عدم الندم على ما فات، غنى النفس واليقين والرضا بعوض الله سبحانه وتعالى، فالمسلم إذا أصابته مصيبة وعلم أنها من قضاء الله وقدره وأن الله سيعوضه خيرا هدى الله قلبه.
اللهم إنا نسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك، ونسألك الرضا بالقضاء والقدر وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.