عندما نتحدث عن تاريخنا فإننا نتحدث عن رجال ضربوا أروع الأمثلة في مواجهة التحديات وعواصف المتغيرات، فظهرت بدائعهم وتألقت نظرياتهم فحققوا لنا إنجازات باهرة وعطايا وافرة وجعلوا نظم الأمور في دائرة الضبط السيطرة.
ومن هؤلاء الرجال شخصية اجتمعت فيها الخصال الحميدة والصفات الفريدة المرحوم بإذن الله، أبونواف يعقوب يوسف الفهد الحمدان، أحد أبرز الشخصيات التي عرفتها منطقة الفنطاس منذ نشأتها، فكان أجزل عطاء وأرق قلبا وأندى كفا، من أي الأقطار أتيته قابلك بكرم فعال.
ولد يعقوب الحمدان عام 1950 بمنطقة الفنطاس حيث النشأة والتعليم، ثم التحق بالكلية الصناعية، وكان طموحه أن يكون طيارا حربيا في القوات المسلحة وسرعان ما تحولت رغبته للالتحاق بكلية الشرطة، وتخرج فيها عام 1975 برتبة ملازم ضمن الدفعة الرابعة وتقاعد عام 2001.
كان يعقوب الحمدان لافتا للأنظار، فعندما تسند إليه المهام كان ينفذها بفكر ديبلوماسي حكيم، مع تقييمه للبيئة المحلية بفهم وحدس وذكاء رصين.
صقلت موهبته القيادية منذ ريعان شبابه حين قاد فريق الكشافة وحاز المركز الأول لسنوات عديدة، وتعتبر هذه المرحلة مهمة جدا في اكتساب المهارات وتكوين الذات وتعلم العادات والأنماط الحياتية، التي انعكست انعكاسا إيجابيا في إسهاماته المتعددة من إنشاء فريق كرة اليد في اتحاد الشرطة وكان عضوا فاعلا به، وتعيينه أمينا للسر في الاتحاد الكويتي لكرة القدم منذ عام 1985 حتى 1991، وهي الفترة التي زامل فيها الشهيد الشيخ فهد الأحمد الصباح في جميع أنشطة الاتحاد واستفاد من خبرته، وكونه أحد مؤسسي نادي البولينغ الكويتي بمنصب أمين السر حتى وفاته.
تمثل فكره الإستراتيجي الوطني في الانطلاق نحو تحقيق الأهداف خاصة خلال فترة الغزو، فكان رقما صعبا بمواجهة التحديات ورأس حربة ومؤثرا في نفوس مجموعته متصفا بالحذر والتكيف مع المتغيرات، وهذا يسمى بفن «التأثير القيادي»، كما اتخذ أسلوب المقاومة أشبه إلى حرب «العصابات»، فاستطاع ومجموعته التعامل مع طائرة عمودية عراقية بواسطة سلاح «نوعي» كي يفشل مخطط الإنزال بمنطقة العديلية، وكان وقتها رئيسا للمخفر. كما عمد الى تقوية «التعبئة النفسية» في الجبهة الداخلية وتطبيق سياسة «أمن المخزون الغذائي» وتأمينه الأهالي خلال فترة الاحتلال والتركيز على إزاحة العقبات التي تتعرض لها الجبهة الداخلية، وهذا ما يسمى «الاستشراف المستقبلي». كما وضع خطة «التأمين» لخروج بعض الشخصيات البارزة من الكويت كونه عالما بالمداخل والمخارج الحدودية، كما كان قارئا جيدا للأرض، وكان يؤمن بالمقولة «الطبيعة تقاتل إلى جانب الإنسان».
وضح «أبونواف» مفهوم «تحديد الأولويات» للمهام الأكثر أهمية، وهي الوصول لـ «سيديهات الجنسية الكويتية» التي تعتبر من الوثائق المهمة للحفاظ على الهوية الوطنية والتي تم تسليمها إلى الشيخ علي صباح السالم، رحمه الله، بمنطقة الخفجي يدا بيد، بعد أن ضيق عليه من قبل قوات الاحتلال ونصح بالخروج من الكويت.
يعتبر يعقوب الحمدان من الرجال الذين سطروا أسماءهم بأحرف من نور من خلال مواقفه المشرفة، ومثالا يحتذى، فقد اجتمعت فيه الحذاقة الديبلوماسية الفائقة مع العبقرية العسكرية السامية والمهارة العربية الرائعة، «إذا حضر معدود وإذا غاب مفقود»، ولا تزال كلماته لكاتب هذه السطور راسخة في وجداني وهي «ترفع الراس يا بوعبدالوهاب» فكان مؤمنا برسالته، مما جعله ذا مكانة عالية في قلوب محافظة الأحمدي وخارجها، حيث الجالس معه يحس بالراحة لبساطته لكن عند التعارض معه قد يتحول إلى شخص شرس وفض.
وفي 29 يونيو 2020 ترجل القائد المبدع والإستراتيجي المبهر عن صهوة جواده بعد مسيرة حافلة بالإنجازات، فرحمك الله رحمة واسعة يا يعقوب يوسف الحمدان، لقد تركت أثرا جميلا سيدوم بعد مماتك أكثر من سنين حياتك.
هناك الكثير من يمر مرور الكرام بالحياة، وهناك الكثيرون مقيدون على هامشها، وكما أن هناك نجوما تظهر هناك نجوم تختفي، لا نعرف لماذا ظهر هؤلاء ولماذا اختفى هؤلاء، لكن ما نعرفه هو أن البقاء يكون للأذكى والأكثر اجتهادا..
ودمتم ودام الوطن.
[email protected]