لقد جاءت المبادرة التي قامت بها جنوب أفريقيا مشكورة ضد إسرائيل ذات تأثير فعلي في إبراز الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل يوميا على مسمع ومرأى المجتمع الدولي بأكمله! حيث توضح لشعوب العالم ما تقوم به هذه الدولة وتبرز للمجتمعات والدول التي لا تدرك ماهية تلك الجرائم في فلسطين، ووسط تعتيم عالمي في بعض الدول التي تتكتم وتمنع الحقيقة عن شعوبها. تأتي تلك المبادرة لتظهر مدى عدوانية إسرائيل وانتقامها غير المبرر ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وكذلك على الصعيد الدولي أظهرت ما كانت تخفيه وسائل الإعلام في العالم أجمع والتي يسيطر عليها يهود العالم أجمع وتمنع ظهور الحقيقة لهذا الكيان الصهيوني على مدى عقود وسنوات ماضية.
من جانب آخر، فإن مبادرة جنوب أفريقيا تبرز وجها مهما لهذه الدولة التي لطالما عانت من دولة الفصل العنصري في فترات سابقة. فهي أخبر الناس بما يعنيه الفصل العنصري ودولة التمييز العنصري واستملاك أرض الآخرين بالقوة، واعتماد أيديولوجية دينية عنصرية لتبرير الغزو والاستيطان وإعطائه شرعية يتمسك بها المستعمرون. واتباع سياسة الإبادة الجماعية والتهجير للاستحواذ على أراضي السكان الأصليين، أو وضعهم في كانتونات تمكن من مراقبتهم وتسييرهم عن بعد دون التكفل بحاجياتهم المادية، فما بالك باحترام حقوقهم الإنسانية. وإنشاء واقع حرب دائمة مع السكان الأصليين ومع دول الجوار لفرض سيطرة يجب أن تكون كاملة ونهائية، وخلق مناخ مسموم داخل المجتمع مبني على القوة والصلف والاستعلاء للمنتصرين. وطوال الفترة التي عشتها في شبابي - أي بين الستينيات والتسعينيات - كان جيلنا لا يفرق بين إسرائيل وجنوب أفريقيا لتشاركهما الوثيق في هذه الخصائص، لذلك لم نكن مندهشين بمستوى التعاون بين الدولتين الذي كان يقال آنذاك، إنه يشمل السلاح النووي، أو أن نفس الدول الاستعمارية القديمة كانت تدعم الدولتين بالكيفية نفسها. ثم وقعت القطيعة المطلقة في بداية التسعينيات عندما اتخذت جنوب أفريقيا مسارا، وإسرائيل المسار المعاكس. فبينما كان مانديلا ودوكلارك يتفقان على إنهاء نظام الأبارتايد، وبناء دولة قانون ومؤسسات- لشعب من المواطنين بغض النظر عن أصولهم العرقية والدينية وإحلال السلام في الداخل ومع الجوار الأفريقي - رأينا شخصا مثل نتنياهو ومن معه من اليمين، ثم اليمين المتطرف، يتصدون لكل الحلول السياسية، ومنها إقامة الدولتين، ثم رأينا سياسة الانتحار الأخلاقي والسياسي عبر الاستيطان والحصار والحروب المسترسلة التي أوصلتنا للكارثة الحالية.
وبناء عليه فإن مبادرة جنوب أفريقيا تبقى بارقة إيجابية مميزة تجاه أشقائنا في غزة فيما يعانونه وذلك للتخفيف عنهم قدر الإمكان من ناحية إظهار جرائم إسرائيل من وجهة نظر أفريقية بحتة وسعيا منها لإحكام المزيد من الضغط على دولة الاحتلال لربما يسهم في إضعاف مركزهم العنجهي الحالي في المجتمع الدولي والذي يقف عاجزا عن التصدي لجرائم الاحتلال التي تجري جهارا نهارا.
كما أن الخطوة او جنوب أفريقيا قد لا تكون قوية او ذات أثر على صعيد الموقف في غزه بمجمله.. إلا أن تشكل دعما ومساندة للأشقاء في غزة من صديق بعيد عنهم جدا ولكنه قريب من معاناتهم وهي نفس المعاناة التي تعرضوا لها إبان دولة الفصل العنصري وجاءت لتوصل رسالة مهمة للعالم ولدولة الاحتلال بأن هناك من يشعر بهم في أقصى المعمورة. ولربما يعطي ذلك حافزا لدول مؤثرة أخرى في العالم لكي تقف نفس الموقف، فشكرا للمبادرة الأفريقية رافعة الرأس. ونسأل الله أن يخفف عن إخواننا في غزة، وانصرهم بنصرك يا عزيز يا جبار. والله الموفق.
[email protected]