قال تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي، إنه لأمر طيب أن تتواصل في الكويت اكتشافات مكامن نفطية جديدة، وأيضا أمر طيب تشغيل حقول نفطية متوقفة، فهو طيب من زاويتين، الأولى هي أن الكويت باتت بحاجة إلى إنتاج من مكامن جديدة تدعم بلوغ مستهدفاتها من طاقة الإنتاج.
أما الزاوية الثانية وربما الأهم، فهي عودة قطاع النفط إلى نشاطاته الحقيقية، أي الاستثمار الناجح في نشاط الاستكشافات المحلي ثم تطوير البنى التحتية لبلوغ مراحل الإنتاج والتصنيع أو التصدير، وحقل النوخذة مثال لأنه نواة قد تصاحبها اكتشافات أخرى، وأهميته في الأساس لا تكمن في محتواه من النفط وإن كانت نوعيته أفضل، فكميته لا تزيد كثيرا على 3% من الاحتياطات النفطية المعلنة إن كانت صحيحة، ولكنه من المحتمل أن يغطي لاحقا نقصا كبيرا في احتياجات البلد من الغاز.
وأضاف «الشال» انه سوف يكون للمزيد من الاكتشافات أو الإنتاج، أي زيادة موارد الدولة، وقع أطيب إذا حولناها إلى نعمة وليس نقمة، وهو الفارق في العلوم الاقتصادية ما بين حصافة توظيف حصيلتها، أو انحراف وسوء ذلك التوظيف. ومثالان في عالمنا المعاصر يشرحان ماذا عنته «نعمة الموارد ولعنتها»، تحققت نعمتها في النرويج صاحبة أدنى احتياطات نفطية، وطالت لعنتها فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي تقليدي في العالم.
ففي النرويج يبلغ احتياطيها من النفط حاليا نحو 7.6 مليارات برميل حسب آخر إصدارات «أوپيك+»، ولم يبدأ فيها إنتاج النفط سوى في شهر يونيو 1971، وقبل توزيع مواقع مكامن النفط إلى عدد من المساحات القابلة لطرحها في مزايدات من أجل استغلالها، قررت حكومتها وبرلمانها تحييد أثر توظيف إيرادات النفط السلبي على تنافسية اقتصادها بالإفادة من تجربة جارتها هولندا الفاشلة التي حمل اسمها «المرض الهولندي» نموذج لأعراض لعنة الموارد.
فحصيلة الإيرادات النفطية في النرويج لا تستثمر أو توظف داخليا، ولا تمول تلك الإيرادات المالية العامة سوى في أحوال الضرورة القصوى، وبما لا يتعدى 4% من جملة نفقاتها العامة. والنتيجة أنها حصدت كل نعمة النفط، وأصبح حجم احتياطاتها المالية - صندوقها السيادي - نحو 1.6 تريليون دولار، كما في يونيو الفائت، وفاقت حصيلة إيرادات تلك الاحتياطات كثيرا حصيلة إيرادات النفط، واستمر تمويل المالية العامة يأتي من حصيلة الضرائب على نشاط اقتصادي مستدام ومنافس.
ويبلغ احتياطي فنزويلا 303 مليارات برميل من النفط التقليدي، وهو الأعلى في العالم، وارتكبت كل الخطايا في التعامل معه، فرغم أن مساحتها 916.4 ألف كيلومتر مربع بعدد سكان يبلغ 29.4 مليون نسمة، وهي بلد غني بالموارد المائية ويقع مباشرة على سواحل تمتد 2800 كيلومتر، أي اقتصاد قد ينهض من دون نفط، إلا أن اقتصادها فقد كل تنافسيته.
واستخدم قطاع النفط للتوظيف العشوائي، واستبدلت الكفاءات في القطاع النفطي، أو استبدل الكيف، بكم كبير من موالي النظام، ولا تملك فنزويلا مدخرات لمواجهة أي من التزاماتها، وأصبحت عملتها بالكاد تساوي الورق المطبوعة عليه، وأصبح نصف قوة العمل عاطلة عن العمل، ونحو 90% من شعبها فقيرا، ويتوق سكانها إلى الهجرة، أي تبنت وصفة كاملة حققت كل تبعات «لعنة الموارد».
وقال «الشال» إنه بين «النعمة» «والنقمة» تحتل الدول الأخرى المنتجة للنفط موقعا على السلم، بعضها في الأعلى أقرب إلى النرويج، وبعضها أدنى وأقرب إلى فنزويلا، ومع إعلان الكويت عن اكتشافاتها، ومع الإعلان عن اقتراب قيمة صندوقها السيادي من التريليون وهي ليست أرقاما دقيقة، يستمر التحدي الحقيقي الذي يواجهها، ليس وفرة الموارد، وإنما الارتقاء إلى أعلى السلم.