كل يوم يعيشه المرء غنيمة لو عقل ذلك، ولكن الغفلة تأبى ذلك، والأيام تقرب آجالنا لنا، تمضي سريعة، فلم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، نبلى ولا يبلى الليل والنهار، مستعدين لما بقي، بمثل ما أصابا به من مضى، والمحروم حقا من حرم طاعة الله تعالى، ولم يذق لذة محبة الله وتقواه، فلنغتنم الساعات فيما يكون ذخرا لنا يوم نلقى الله، فالدنيا كما وصفها الحسن البصري ثلاثة أيام : أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غد فلعلك لا تدركه، واليوم لك فـاعمل فيه. وقال حكيم : ما من يوم يخرج من الدنيا إلا قال: الحمد لله الذي أخرجني منها ثم لا يردني لها، وفي ذلك يقول أبو اسحاق الألبيري في منظومته :
تفت فؤادك الأيام فتا
وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق
ألا يا صاح أنت أريد أنتا
يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: «إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثلما زرع، لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لا يقدر له، فمن أعطى خيرا فالله أعطاه، ومن وقي شرا فالله وقاه، المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة» فلعلنا ندرك ان امس أجل واليوم عمل وغدا أمل.
وقـــد سأل الحجاج بن يوسف خالد بن يزيد عن الدنيا فقال: ميــراث، قال: فالأيام؟ قال: دول، قـــال: فالدهر؟ قال: أطباق، والموت بكــــل سبيل، فليحذر العزيز الذل، والغــني الفقر، فكم من عزيز قد ذل، وكـــم مــن غني قد افتقر، وقال اهل العلــــم: الايام ثلاثة، فأمس حكيم مـؤدب، أبقى فيك موعظة، وترك فيك عبرة، واليوم ضيف عندك طويل الغيبة وهو عنك سريع الظعن، وغدا لا تدري من صاحبه، ودمتم سالمين.