في رحلة السعي إلى تحقيق الاستدامة والوصول إليها في القطاع الإنساني لا يمكن أن نغفل أو نتغافل عن ضرورة وجود معايير ومقاييس نقيس بها مدى قربنا أو بعدنا عن تحقيق هذه الأهداف التي وضعناها لأنفسنا لنحقق الاستدامة، ونمكّن لأهداف التنمية المستدامة في مؤسستنا بما يلائم طبيعة عملنا وثقافتنا وعاداتنا كما سبق أن ذكرنا سابقا.
وهذه المعايير والمقاييس هي أحد الأركان الرئيسة التي ينبني عليها تقرير الاستدامة الذي تقدمه الجهة للمعنيين والمختصين، ولم تعد المعايير والمقاييس المالية هي الأهم في سياق صناعة الاستدامة أو في سياق نسبة ومقدار الأهمية بالنسبة للمعنيين وأصحاب المصلحة، بل اتسعت دائرة النظر لهذه المعايير لتشمل أبعادا أخرى غير البعد المالي، ومن هنا جاءت أهمية تقارير المسؤولية المجتمعية وتقارير الاستدامة التي تأتي مشتملة ومراعية العديد من المعايير..
حتى هنا أيها القارئ الكريم نفهم أن كل جهة تصدر تقريرا للاستدامة يخص عمل المؤسسة ويستهدف شريحة المعنيين والمختصين ينبغي أن يشمل معايير ومقاييس غير المعايير والمقاييس المالية.. لكن ما هي معايير بناء هذا التقرير أصلا؟ وكيف نحكم على أنه مطابق لمعايير البناء الموضوعة والتي يمكن من خلالها أن نقارن بينه وبين غيره من تقارير المؤسسات الشبيهة؟ فهل هناك معايير أصلا لبناء هذه التقارير؟ وهل هناك جهات تصدر هذه المعايير وتراعي فيها طبيعة المؤسسات المختلفة ليسهل عليها إصدار هذه التقارير؟ وهل القطاع الخيري مشمول من ضمن هذه المؤسسات والجهات؟.. هذه أسئلة هذا المقال الذي نواصل فيه حديثنا عن الاستدامة في القطاع الخيري..
بداية ينبغي أن نشير إلى أن تقارير المسؤولية المجتمعية وتقارير الاستدامة ومعاييرها نشأت في الأساس خدمة للشركات، ثم توالت وتستمر حتى اللحظة محاولات تطويع هذه المعايير لتطبيقها في المجال الخيري، لكن لا توجد معايير مخصصة تنطبق تماما على أداء المؤسسات الخيرية وتراعي طبيعة عملها. إذن على أي أساس تصدر تقارير المؤسسات الخيرية؟
أقول: التقارير المنشورة للمؤسسات الخيرية تنطلق من كونها «مؤسسات» ينطبق عليها ما ينطبق على المؤسسات، سواء كانت شركة أو منشأة أو غيرها، وينطبق عليها أيضا ما يدفع هذه الشركات إلى إصدار تقاريرها من فوائد أو مزايا تدفعها إلى إصدار هذه التقارير، مثل: التفاعل والتماشي مع الحديث من التوجهات الخادمة للمؤسسة، وتذليل الطريق نحو تحقيقها الشفافية والحوكمة والضبط، وتحسين سمعتها من خلال إظهار مدى التزامها بالامتثال واحترام ومراعاة الأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان وغيرها، وتحسين عمليات الأداء وتقليل التكلفة، وتنمية ولاء المعنيين والموظفين وزيادة رضاهم، والمساعدة في فهم وتحليل بيئة المؤسسة بصورة علمية، والأهم في ذلك كله المساعدة في تحقيق أهداف المؤسسة من خلال بيان الصورة الحقيقية للقرب أو البعد عن تحقيق هذه الأهداف.. ويبدو أننا استطردنا.. نكمل لاحقا..