- ميكو بيليد ابن الجنرال الإسرائيلي وحفيد أحد الموقعين على وثيقة احتلال فلسطين وإقامة دولة اليهود يكشف طبيعة وسلوك حكامها
- الحاخام دوفيد وايز كشف عن عدم شرعية الصهيونية وفق الديانة اليهودية وهي فكرة باطلة وخدعة كبرى زعماؤها علمانيون ملاحدة
- إسرائيل نظام عصابات أذلته مجموعة صغيرة من مقاتلي المقاومة وأثبتت أن الجيش والمخابرات ليسا إلا نمراً من ورق
- بيليد يشدد على وجوب الإطاحة بدولة الفصل العنصري وإقامة فلسطين الديموقراطية ويعترف بأن عائلته متورطة في أبشع الجرائم ضد الإنسانية
- ابن الجنرال على يقين بأن إسرائيل زائلة والصهاينة سيهربون إلى الشتات وهذا رأي عدد كبير من اليهود المتدينين
- أعلن بيليد أن ما يجري على أيدي القيادات الإسرائيلية حالياً ليس أقل مما كان يقوم به البيض في جنوب أفريقيا وذلك في مجالات كثيرة داخل إسرائيل وأميركا
هي إسرائيل الدولة المعتدية التي اشتد طغيانها في هذا الزمان حتى أنها لجأت إلى إبادة الناس دون تمييز، ودون رأفة بطفل أو امرأة أو شيخ مسنّ. فكل هؤلاء يتلقون قنابلها، وتصوب إليهم مدافعها، وتقصفهم طائراتها. وما يجري في غزة والضفة الغربية من فلسطين هو أوضح دليل على هذا العدوان الذي تقوم به نفوس تخلو من المشاعر الإنسانية الطبيعية، حتى لكأنها تنفس بما تفعله عن حقد دفين بقي فيها منذ زمن طويل.
أما الشاهد فهو ابن من أبناء دولة إسرائيل، اسمه ميكو بيليد الذي تحرك ضميره - على قلة الضمائر الحية في بني قومه - فأعلن معارضته لما جرى في الماضي ولما يجري في الوقت الحاضر من أعمال تقوم بها إسرائيل أبسط ما توصف به أنها ضد الإنسانية.
كان ميكو بيليد هذا عاملا في الجيش الإسرائيلي، وكان أبوه جنرالا من جنرالات جيشها. أما جده فقد كان واحدا من الذين سعوا إلى تأسيس دولة إسرائيل بقصد الاستيلاء على الوطن العربي الفلسطيني، وكان من الموقعين على الوثيقة الأولى لذلك الأمر.
ولقد مرت بالحفيد ظروف أدت إلى أن يكتشف طبيعة النظام الإسرائيلي، وسلوك حكام إسرائيل الذين تسلطوا، وفرضوا عقدهم القديمة على كافة اليهود، واتخذوا الفلسطينيين أعداء لهم.
٭٭٭
كان احتلال فلسطين، وإنشاء دولة إسرائيلية على أرضها هو ما وقع عليه أولئك الذين اتفقوا على تحقيق هذا الحلم، وضمنوه الوثيقة التي وقعوا عليها.
ولم يكن احتلالهم لهذا الوطن المسلم العربي قائما على جهودهم الخاصة، ولكنهم اعتمدوا اعتمادا كبيرا على الدول التي تريد أن تسيطر على منطقة الشرق الأوسط بأسرها عن طريق وضع هذا المسمار المؤلم في خاصرتها، باعتباره مخلب قط لها. ومن أجل ذلك دفعوا باليهود سياسيا وماليا وتسليحا في سبيل إيصالهم إلى تحقيق هذا الهدف الذي يخدم الطرفين: الداعم والمدعوم، وقد كشف ذلك ميكو بيليد الإسرائيلي الذي ذكرناه في الأسطر القليلة التي مرت بنا. فتحدث حول هذا الأمر كثيرا وفي أكثر من منبر. وألف كتابا أطلق عليه اسم: «ابن الجنرال».
وفيما يبدو أنه لم يتخذ لكتابه هذا الاسم اعتباطا، بل هو يريد أن يوحي إليهم أنه ليس أقل منهم حرصا على إسرائيل، فهو ابن الجنرال، وبذا يكون قد أغلق باب التشكيك به.
ضم هذا الكتاب كثيرا من الأمور التي يجدر بنا أن نعرفها عن كل ما يجري في الخلفيات منذ ما قبل قيام إسرائيل بكيانها الظالم المغتصب، حتى واقعها الحالي. ولم يكتف بذلك بل قدم نظرة مستقبلية - قد لا تعنينا - لذلك الكيان، ولكن كان من مكملات حديثه أن يورد النظرة إلى المستقبل.
يؤكد ابن الجنرال هذا أن إسرائيل (دولة وظيفية) وهو يعني بذلك أنها اصطنعت لكي تؤدي وظيفة تقوم بها لأناس آخرين غير اليهود. ويفسر ذلك بأن القوى الاستعمارية اصطنعتها لأغراض خاصة بها وأنشأتها لكي يقوم ـ نيابة عنها ـ بوظائف تترفع تلك القوى عن القيام بها مباشرة. فهي ـ إذن ـ مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية. ولكن اليهود استخدموا في إقامته وتسييره.
هذا هو ما يراه بيليد. والدليل عليه واضح منذ بداية العدوان اليهودي الأول، فقد شهد العالم كله دعم الدول الاستعمارية كلها لهذا المشروع بكل وسيلة كانت. وبمبادرتها إلى الاعتراف بإسرائيل، واستمرار الوقوف إلى جانبها حتى لا ينهار هذا المشروع، وحتى تبقى سيطرتهم على المنطقة قائمة كما أرادوا.
ومن أجل إثبات ذلك فقد قدم أمثلة كان منها قوله:
1 - «لقد جمعتني المصادفة في أحد مطاعم حيفا بالشاعر الإسرائيلي ديفيد فيدان، وقد أخبرني بأنه سوف يسافر إلى كندا، ولن يعود إلى إسرائيل مرة أخرى، وذلك بحثا عن الأمان، ولأن مقولة دولة إسرائيل هي فكرة من خيال الصهاينة المرضى».
2 - وقوله: «أثناء زيارتي الأخيرة إلى أميركا، حضرت مؤتمرا للحاخام دوفيد وايز، وهو ابن أحد الناجين من الهولو كوست، وقد كشف عن عدم شرعية الصهيونية، وفق الديانة اليهودية وقال إنها فكرة باطلة، وخدعة كبرى، زعماؤها علمانيون، ملاحدة، لا يؤمنون بأي دين سماوي، لكنهم نجحوا في المتاجرة بالديانة اليهودية، فوظفوها توظيفا قوميا.
ولذلك وضع الخبثاء بناء الدولة على أساس المنهج العلماني، بحيث يسمح لهم بممارسة الطقوس المختلطة بوصفها رباطا قوميا، وزعموا أن اليهودية ليست مجرد دين، إنما هي رباط قومي وثقافي. وأن الارتباط الحقيقي باليهودية ممكن حتى ولو كان المرء رافضا للدين اليهودي».
ولم ينه ابن الجنرال قوله هذا قبل أن يعرب عن يقينه أن إسرائيل زائلة، وسوف يهرب الصهاينة إلى الشتات، وقال: إن هذا الرأي ليس رأيه وحده، بل إن عددا كبيرا من اليهود المتدينين يؤمنون به.
٭٭٭
وهكذا رأينا أنه مع مرور الزمن على إسرائيل، سيطرت فيها القوى المتشددة، ولاح في الأفق ما سوف يأتي. وقد رأيناه في رفضهم قيام الدولة الفلسطينية، وتعدياتهم المستمرة، والحروب التي خاضوها ضد الفلسطينيين والعرب أجمعين. ومن أجل هذا الوضع خرج في إسرائيل من هم على طرار ميكو بيليد يرون أن هذا البلد لم ينشأ على صواب، وأنه آيل للسقوط لا محالة.
وتعددت الأقوال من بعض اليهود الذين ضاقوا ذرعا بما يقوم به المتسلطون الذين يمسكون بزمام الأمور عندهم. لأنهم يعرفون مثلما يعرف بيليد أن إسرائيل بتصرفاتها حلت محل الدول الاستعمارية التي كانت تتسلط على منطقنا العربية. ولو لم تكن هذه مهمتها لما نالت هذا الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري كله من المعسكر الغربي.
ومع ذلك فإن معارضة هؤلاء المعارضين لا تصل إلى الرغبة في زوال إسرائيل، بقدر ما هي دعوة لها إلى التعايش مع جيرانها في سلام، وحفظ حقوق الأقليات فيها (كما سموهم) ولم ينطق واحد منهم بحرف عن ضرورة نشأة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ومع ذلك فإن هذه الأصوات المعارضة - فيما يبدو - سوف تتنامى، وسوف يكون لها تأثير كبير.
ومن هذه الأصوات صوت ميكو بيليد الذي اشتهر في الآونة الأخيرة بصفته معارضا لما تقوم به بلاده، ومكونا للاتجاه الرافض الذي صار يقوى يوما بعد يوم في داخل إسرائيل، ويؤثر فيها.
لقد رأى بيليد أن الذي يجري على أيدي القيادات الإسرائيلية حاليا، ليس أقل مما كان يقوم به نظام البيض الذي أبيد في جنوب أفريقيا. وقد أعلن رأيه هذا في مجالات كثيرة في داخل إسرائيل، وفي الولايات المتحدة الأميركية، وفي أماكن أخرى، فاطلع العالم كله على أفكاره من خلال وسائل الاتصال، إضافة إلى كتابه الذي أشرنا إليه وهو:
«ابن الجنرال» الذي أراد فيه أن يبدي وجهة نظره بكل وضوح، وأن يبدى للمتنفذين في إسرائيل أنه - أيضا - يهودي مثلهم، يهمه أمر اليهود ـ ربما ـ أكثر مما هو مهم لديهم، ولكنه اكتشف أنه لا شيء يهمهم غير أنفسهم.
ولم يكن ميكو بيليد مجهولا في إسرائيل فهو ينتمي ـ كما قلنا فيما سبق ـ إلى أحد الموقعين على التعهد بقيام دولتهم، وقد خاض الحرب التي حلت بها النكبة في سنتي 1947م - 1948م، وكان والده أحد جنرالات جيش العدو، وقد خاض حرب سنة 1967م، وأشرف على تحقيق أجرته حكومته حول موضوع اتهامها بارتكاب جرائم حرب، وقد أدان ذلك. وكانت له مواقف معتدلة لم تعجب جماعته فاستقال من عمله. وها هو الابن يواصل ما كان عليه أبوه من اعتدال دون تفريط في مصالح قومه.
كان بيليد (الحفيد) وهو في الولايات المتحدة الأميركية يوالي التحدث إلى وسائل الإعلام المختلفة، ويغشى الاجتماعات العامة معبرا عن آرائه، ومن ذلك ما قاله في إحدى المقابلات الصحافية:
1 - «لا يمكن لأي أحد أن يتجاهل جذوره... لكن لا أعتقد أني أول معارض يتحدر من عائلات ارتكبت جرائم بشعة».
2 - «هناك أصوات إسرائيلية تتبنى ما أقوله، ولكنها قليلة جدا. لقد أصبح من الخطير الحديث عن هذه المسألة». وفي هذا إشارة منه إلى ما يمكن أن يلقاه أي معارض من أذى يلحقه به أولئك المتصدرون لقيادة إسرائيل الذين لا ينظرون إلى آراء غيرهم، ولا يهمهم أحد. وفي هذا يقول:
3 - «إسرائيل هي نظام عصابات، أذلته مجموعة صغيرة من المقاتلين الذين تسببوا في شلل البلاد».
4 - وعلق على ما حدث أخيرا في غزة فقال: «لقد أظهرت هجمات حماس الأخيرة أن الجيش الإسرائيلي والمخابرات ليسا إلا نمرا من ورق».
واستمر في حديثه هذا قائلا:
«منذ شهر أكتوبر حاولت إسرائيل - نظرا إلى أنها نظام فصل عنصري ـ الانتقام من خلال اختيار الضحايا الأضعف، والأكثر عزلة، وهم أفراد الفئة التي سعت ـ إسرائيل - إلى ارتكاب مجازر في حقهم، ولذلك، فقد شهدنا مقتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين الأبرياء».
«لقد قامت إسرائيل بأعمال إبادة للفلسطينيين دون تمييز منذ 76 سنة، وأعتقد أن من المهم جدا وضع هذه الحقيقة في الحسبان».
ويمضي في حديثه هذا حتى أن يصل إلى النقطة الفاصلة التي تؤرق جميع الإسرائيليين، فيتكلم عن النظام السياسي عندهم، فيقول إنه نظام يعيش في حالة فوضى عارمة، ويشهد حالة انهيار لا شك فيه، فإنا نرى بعضهم يتهم بعضا ويتراشقون بالتهم، وليس بينهم وحدة.
وحتى لا نطيل، فهذا إجمال لبعض النقاط التي أثارها:
- حدثت شروخ عميقة ـ على المدى البعيد ـ تحول دون استقرار إسرائيل. فهي تعاني ـ بسببها ـ من حالة شلل.
- لم تكن الانقسامات بين السياسيين وباقي أفراد المجتمع واضحة كما هي الآن.
- هناك عدم تسامح تجاه أي نوع من المعارضة.
- بنيامين نتنياهو مجرم حرب يستحق أن يتعفن في السجن بقية حياته، إنه أسوأ مجرمي الحرب وأكثرهم فسادا.
- وأخيرا، ذكر أنه كان يعرف نتنياهو منذ الصغر وكان معجبا به. ولكنه أصيب بجنون العظمة، وليس له مكان إلا السجن.
٭٭٭
كانت هذه هي أقواله في أميركا ولكنه لم يتحدث هناك فقط، بل لقد كانت له جولات في عدد من البلدان، ومنها بريطانيا حيث أجرى معه التلفزيون محاورة حول أفكاره، تطرق فيها إلى الحرب على غزة. وفي هذه المقابلة كان عنيفا على المذيعين اللذين أجرياها معه. فقد حاولا استثارته فرد عليهما بكل عنف «هل أنتم متخلفون عقليا؟ تريدون إدانة الضحية؟».
وبعد انتهاء هذه المقابلة أصدر منشورا جاء فيه: «لا نصمت أبدا، ولا ندعهم يفلتون من العقاب أبدا!! كيف يتجرأ المنافقون والعنصريون الذين يرتكبون الإبادة الجماعية على وصف المقاتلين الفلسطينيين الشجعان بأنهم إرهابيون».
وفي تركيا كان له نشاط مماثل، فقد دعي إلى إلقاء محاضرة في إحدى جامعات هذا البلد المسلم. فاختار لمحاضرته عنوان: «القدس بعيون ابن الجنرال». ولوحظ أنه ركز في محاضرته هذه على ما يجري في غزة من أعمال قتل وتدمير تقوم بها إسرائيل، فكان من ذلك ما يلي:
1 - أوضح أن حكومة تل أبيب تقصف بأحدث أنواع الأسلحة نحو مليوني شخص محاصر في قطاع غزة الفلسطيني.
2 - قال: «إن كانت هناك منظمة إرهابية فهي الجيش الإسرائيلي نفسه، وعندما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن إسرائيل هي دولة إرهابية، كان محقا جدا، وبينما يخشى الكثيرون من قادة العالم قول هذه الحقيقة، فإن اردوغان ظهر وقالها بكل شجاعة».
ولا مجال هنا لإيراد كل ما ذكره في محاضرته هذه وما تلاها من ردود على الأسئلة والتعليقات التي وردت إليه بعد أن استمع الحاضرون إليها، فما ذكرناه كافٍ للدلالة على ما نريد إيصاله.
٭٭٭
وننتقل الآن إلى جانب آخر من الجوانب التي نراها مهمة عندما نريد عرض أفكار هذا الرجل وآراءه في المسائل التي جعلها شغله الشاغل بعد مشاهداته الواقعية لما يدور في إسرائيل وما يتعلق بمستقبلها، فقد فكر كثيرا بعد تلك المشاهدات فيما ينبغي أن يكون عليه الحال بدلا من هذا الوضع السيئ الشائك الذي يتسلط فيه أمثال نتنياهو الذي وصفه بأقذع الصفات، وطالب بسجنه.
إنه يرى ما يلي:
يقول انه من الملاحظ أننا حين نرى مجتمعا عنصريا تدعم المعارضة فيه حكومته حين تعتدي، وتعارضها عند التوقف والانسحاب أو تقليص العمليات الحربية. هذه أجواء مرضية ينبغي علاجها من خلال نظام تعليمي مكثف ومدروس. ولكن ما نلاحظه هو عكس ما ينبغي أن يكون وهو أن الإسرائيليين يتعلمون كيف يكونون عصريين.
إن أول خطوة إلى عالم يسوده السلام في هذه المنطقة هو نبذ العنصرية بكافة أشكالها، وينبغي أن نعرف أن هناك علاجا لهذا المرض (فالعنصرية مرض) وأن هذا العلاج قد جرت تجربته في المجتمعات العنصرية الأخرى، ففي نهاية المطاف سقطت هذه الأنظمة عن طريق عقوبات صارمة وعزلة قاسية.
ويرى أنه «يجب الإطاحة بدولة الفصل العنصري وإقامة دولة فلسطين الديموقراطية»
ويقول بيليد: إنه يرفض الصهيونية، ويعترف بأن عائلته متورطة في أبشع الجرائم ضد الإنسانية. كما يعتقد بأن العالم استغرق وقتا طويلا لكي يدرك أحد الاعذار العامة لإقامة الفصل العنصري وهي: الهولو كوست وان من الغريب حقا أنه بعد ثلاث سنوات من انتهاء الإبادة لليهود الأوروبيين على يد النازيين تحولت الجرائم ضد الإنسانية إلى قانون.
وبعد ثلاث سنوات سمح العالم للحركة الصهيونية بترسيخ وجودها وارتكاب جرائم ضد الإنسانية هناك على بعد ساعات قليلة بالطائرة من أي عاصمة في أوروبا تقريبا.
«هنا تأسست دولة الفصل العنصري (إسرائيل)، ووقعت حملة وحشية من التطهير العرقي، والمذابح وسمح بحدوث إبادة جماعية مستمرة حتى يومنا هذا. ولا أجد كلمات لوصف مدى فظاعة الأمر».
هذه هي أقواله فيما يتعلق بتطلعات إسرائيل التي رأينا أنه يبنيها على ما يراه من أوضاع غير مريحة بين فئتين من الناس، فئة ظالمة بيدها القوة، وفئة مظلومة استلبت أرضها وقتل منها أعداد كثيرة دون مبرر.
ولكننا نود أن نشير إلى ثلاثة أمور:
1 - ما ذكره عن الهولوكوست أمر تحيط به علامات استفهام كثيرة. ولكننا نستطيع أن نقول: إن معاداة هتلر لليهود، أمر استفادت منه إسرائيل بأن استغلته في الحصول على الأرض التي أقيمت عليها بالغصب والعدوان، واستفادت منه مرة أخرى بحصولها على تعويضات مادية باهظة من المانيا بعد الحرب، وبذا فقد تسلمت ثمن ما تتمسك به، فلا داعي لتكرار هذا الموضوع.
2 - قد يقول البعض إننا نرى دولا كبرى تسعى لإيقاف الحرب على غزة، وهذا أمر نراه من حيث المظهر، ويردده الإعلام على الدوام. ولكن هذه الدول ترسل في الوقت نفسه الأسلحة والمال والإمدادات المختلفة لإعانة إسرائيل، فهي حين ترسل مندوبها إلى المنطقة فإنما تقوم بدور تمثيلي مكشوف، وأمتنا بأسرها لا تعنيها بشيء هذه التحركات الديبلوماسية التي لا طائل وراءها، بل إن المهم هو وقف تلك الإمدادات القاتلة التي تستعين بها إسرائيل على قتل أهلنا في فلسطين.
3 - ليس غريبا أن يتخذ هتلر مواقف ضد اليهود، فلابد أنه قد لقي منهم الخيانة التي لا تغيب عنهم. ولم يكن هتلر وحده في ذلك فقد كان كثير من المسيحيين منذ أمد بعيد يقفون موقفا معاديا لليهود، وقد حدث ذلك في مراحل تاريخية مختلفة، وأي نظرة تلقى على واحد من المراجع الخاصة بهذا الشأن أو على شاشة الانترنت تبين ذلك تماما. إلا ان ما حدث في عصرنا الحالي أن اليهود قد استطاعوا أن يحولوا الآراء المسيحية لصالحهم بشتى الطرق التي اعتادوا سلوكها.
دولة ديموقراطية بحقوق متساوية على كل أراضي فلسطين .. بعيدة المنال
هكذا تكلم هذا الشاهد، وهو يهودي من أهل إسرائيل، فقد أقر بما جرى وما هو جارٍ في الأرض المحتلة، وهذه نادرة من النوادر لأننا لم نجد منهم إلا عددا لا يزيد على أصابع اليد الواحدة تكون له المقدرة على الشجاعة على قوله الحقيقة، وميكو بيليد من أكثر هذه الأصوات الداعية إلى العدالة في فلسطين أهمية واعلاها.
وهذا الذي قال هو أقصى ما يمكننا الحصول عليه من واحد مثله، نشأ في أحضان الصهيونية، وعاش في بيئة ذات علاقة بقيام إسرائيل. وهو من أجل هذا حري بأن تكون مواقفه ذات أهمية، ولكن مما يلفت النظر أنه وهو يدعو إلى العدالة دعا إلى قيام دولة ديموقراطية واحدة يتمتع سكانها بحقوق متساوية وتكون هذه الدولة على كل أراضي فلسطين التاريخية.
وهذا الرأي من الناحية المنطقية قد يكون ملائما، ولكن التاريخ أعلمنا بأن هؤلاء الناس كانوا دائما في معزل عن غيرهم، ولا يستطيبون العمل المشترك مع أحد. ودولة مثل هذه التي يقترحها بيليد بعيدة المنال، وإذا تحققت فإنها سرعان ما يمحوها مكر اليهود الذي عرفناه عنهم. وكنا ـ نحن العرب ـ قد قبلنا ـ مرغمين ـ بحل الدولتين، فهو أسلم وأبقى.
ومهما يكن رأينا في اقتراحه هذا فإنه أفضل من كثيرين من الصهاينة الذين يحملون الأحقاد في قلوبهم والأسلحة بأيديهم ضد الأمة العربية بل ضد الإسلام والمسلمين. ويكفينا أنه كشف للعالم ـ وليس لنا ـ حقيقة إسرائيل، فنحن نعرفها حق المعرفة.