- الطبطبائي: القصـاص شـرع لحقـن الدمـاء وحفـظ أرواح البشـر
- الجميعة: الاقتصاص مـن القاتل يعالج النفوس الحانقة على القاتـل
- العتيبـي: الدعـوة لإلغاء عقوبة الإعـدام مخالفـة للشـرع والعقـل
- الكندري: ضرورة حصر الإعدام بالحالات المنصوص عليها في الشريعة
يتميز النظام الإسلامي بالكمال والعدالة خصوصا في مجال القصاص والعقوبات، حيث إنها شرعية بنصوص القرآن والسنة النبوية المباركة وأوجب القرآن الكريم القصاص في القتل العمد، وخيرنا بين القصاص والعفو في مقابل دية أو مال، وعقوبة الإعدام هي العقوبة القصوى في التشريع الجنائي تخلت عنها دول كثيرة، ودول أخرى متمسكة بها وتعتبرها تنفيذا للقصاص والردع للجريمة.
في البداية، أكد د.السيد محمد الطبطبائي أن الإعدام عقوبة شرعية لكثير من الجرائم، وما دامت عادلة وتصدر من هيئات قضائية مشهود لها بالنزاهة والعدالة فهي في صالح المجتمع بأكمله، وحماية الامن وسلامة افراد المجتمع، قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ـ البقرة: 178 و179)، وقال صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم أمرئ مسلم يشهد ان لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة».
ولفت إلى ان العقوبات في الإسلام تتجه نحو تحقيق العدالة وسمو الفضيلة والأخلاق وأحكامها تتفق وتتلاقى مع الضمير الديني، إذ إن هذه القوانين والعقوبات تقوم على الدين ورعاية مصالح الجماعة ورعاية مصالح الانسان كذلك وحماية لنفسه وماله وعرضه.
وردا على من يتهم الشريعة الإسلامية بالقسوة والوحشية كعقوبة الإعدام وقطع يد السارق او رجم الزاني، تساءل الطبطبائي: كيف تكون عقوبة الإعدام غير حضارية او قاسية وهي تمثل عدوانا وتعديا على حق الانسان في الحياة والله تعالى شرع القصاص من القاتل عقوبة دنيوية له لحقن الدماء والكف عن العدوان على ارواح الناس؟ لافتا إلى انها عقوبة عادلة شرعها الله تعالى وأمر بها وفيها نفع للناس، حيث انها تمنع الجرائم وتردع المنحرفين، لذا شرع القصاص لحقن الدماء وحفظ ارواح البشر.
عقوبة مقدرة شرعاً
من جانبه، يقول د.جلوي الجميعة: من المعلوم ان القصاص في الفقه الإسلامي هي عقوبة مقدرة شرعا، تقضي بمعاقبة الجاني بمثل ما فعل، قال تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، وتعني ان في شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل حكمة عظيمة، وهي بقاء المهج وصونها، لأنه اذا علم القاتل انه يقتل انكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس، وقد كان يقال القتل انفى للقتل، فجاءت هذه العبارة القرآنية افصح وابلغ واوجز.
وأضاف: ومن حيث نوع الجريمة، قسم الفقهاء القصاص إلى نوعين، هما:
1 ـ قصاص في النفس، اي قتل النفس عمدا او شبهة عمد.
2 ـ قصاص فيما دون النفس، اي في الاطراف والجروح.
والقصاص حق لجميع الورثة من ذوي الانساب والاسباب، والرجال والنساء، والصغار والكبار، فمن عفا منهم صح عفوه، وسقط القصاص، ولم يبق لأحد إليه سبيل.
ولا خلاف ان القصاص في القتل لا يقيمه الا أولو الامر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص واقامة الحدود، فلا يجوز قتل القاتل إلا بعد اتفاق أولياء المقتول على القصاص، ولا يجوز رجوع احد منهم بعد الاتفاق والتصالح على عدم القتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من قتل له قتيل، فأهله بين خيرتين: بين أن يقتلوا أو يأخذوا العقل»، ولا يخفى ان حق اولياء الدم في الاقتصاص من القاتل يعالج النفوس التي حنقت على القاتل في جريمته، فتقضي على الثأر بين الناس وذلك بأن حياة الجاني مرهونة بأيديهم بأن عفو أحد اولياء الدم يسقط القصاص، فقد قال الله عز وجل (ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا».
وعن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام لدى البعض، قال: ذلك ينم عن بعد عن تحكيم شرع الله وبعد عن فهم الحكمة من القصاص واثره في الردع والحد من انتشار الجرائم، وأما كيفية تنفيذ القصاص فيكون بالسيف، وهي التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم ومازال يعمل به في المملكة العربية السعودية وبعض الدول التي تحكم بشريعة الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «كتب الله الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة».
والمعلوم طبيا ان ازهاق نفس المجرم بالسيف ارحم له من الإعدام شنقا لما في الشنق من تعذيب، فبعضهم يأخذ اكثر من عشرة دقائق حتى تفيض روحه اما القطع بالسيف فلا يستغرق الا ثواني معدودة، اما في تعطيل عقوبة القصاص لننظر إلى الدول التي اوقفت عقوبة الإعدام كما تسمى في القانون الوضعي كيف انها تعاني من انتشار الجرائم على الأنفس وما دون الانفس وعلى الاعراض والاموال، فكثر لديهم معتادو الاجرام واصحاب السوابق، واصبح البديل احكام طويلة بالسجن المؤبد الذي يكلف الدولة مبالغ طائلة وحراسات مشددة، فتكون لديهم منظمات مدنية تطالب بعودة احكام الإعدام حتى يوقف او يقلل من انتشار الجريمة، واخيرا نقول ان الشريعة الإسلامية من رب العباد سبحانه الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلح لهم في حياتهم وعلاقاتهم ببعض، فالأخذ على يد المعتدي بحزم متى ثبتت جريمته بالأدلة المعتبرة هو السبيل لوجود مجتمع آمن، سليم، منتج، وصالح.
الدعوة مخالفة للشرع
بدوره، قال الخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د.فيصل العتيبي: من المعلوم ان شريعة الإسلام قد جاءت بما فيه مصلحة العباد، حيث جاءت هذه الشريعة بحفظ الضرورات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع، فجاءت بحفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل، ومن الاحكام الجليلة العظيمة حكم اقامة القصاص بمن أقدم على قتل نفس معصومة، فشرع الله القتل في حقه جزاء وفاقا، حيث كان سببا في ازهاق تلك النفس، قال الله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها ـ الشورى: 40)، وقال تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ـ البقرة: 194)، ومن أجل حماية المجتمع ووقايته من انتشار هذه الجريمة، شرع الله القصاص، قال تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ـ البقرة: 179)، وأما ما نسمعه اليوم من مدعي حقوق الانسان، وهم أبعد الناس عن حقيقته، من دعوة إلغاء عقوبة الإعدام بالكلية، فإن هذه الدعوة مخالفة للشرع والعقل والحس، وهي في حقيقتها من باب الرأفة بالمجرم وجعله يستمر في جريمته اذا علم انه لن يقتص منه، كما انه سيسهل انتشار هذه الجرائم اذا علم المجرمون أنه لن يقتص منهم، كما ان في إلغاء هذه العقوبة ظلم للقتيل وذويه، كما انه يضطر الناس لاستيفاء القصاص بأنفسهم، وفي هذا افتيات على سلطة ولي الامر، ونشر للفساد في الارض، واضطراب في الامن.
القانون الكويتي
من ناحيته، ذكر المحامي عبدالله الكندري ان القوانين الكويتية جعلت عقوبة الإعدام اساسية في بعض الجرائم، منها: أخذ القانون الكويتي بهذا المبدأ في المواد الرقمية 1 ـ 6 ـ 11 ـ 23 ـ 24 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 حين عاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد او وحدتها او سلامة اراضيها، وايضا من اعتدى بالقوة على السلطات التي يتولاها صاحب السمو سواء كانت بحرمانه من كل هذه السلطات او بعضها او كان بعزله او اجباره على التنازل او استعمال القوة لقلب نظام الحكم، مؤكدا ان للعقوبة الأثر البالغ في ترسيخ الأمن والأمان في المجتمع والشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وان نظام العقوبات فيها يشمل كل المخالفات والأضرار التي يمكن ان تقع من البشر، فإن اي جريمة يستحدثها الناس تقابلها في الشريعة الإسلامية عقوبة ملائمة لها.
وحول ما يثار لإلغاء عقوبة الإعدام، قال الكندري: من خلال الضرر من عقوبة الإعدام إلا اننا لا نجاري طالبي الإلغاء الفوري لها لاعتبارات متعددة مرتبطة بالشريعة الإسلامية والمجتمع الكويتي، حيث ان عقوبة الإعدام تقف حائلا دون تمادي الجرائم الثأرية مثلا، وتنادي بضرورة حصر عقوبة الإعدام لحالات استثنائية اي الاكتفاء بالجرائم المنصوص عليها في الشريعة، مبررا ذلك بقوله: إننا نجد انفسنا امام بعض الجرائم التي تجعل لها الشريعة حد فعل مقترفيها الإعدام، وبذلك فالطريق نحو تحقيق هذا الهدف طويل وشاق، ونحن لا نجاري إلغاء الكويت لهذه العقوبة وفي الوقت نفسه نطلب حصر عقوبة الإعدام بالحالات الاستثنائية المنصوص عليها في الشريعة.