الحق في التعليم شبيه للحق في الحياة، ولعل فيما تخطوه الإنسانية من وثبات جريئة للتصدي للجهل ومحاصرة الأمية، خاصة في المجتمعات الفقيرة التي تعاني نقصا حادا في مخصصات التعليم ما يدعو إلى التفاؤل، ويبشر، حتما، بإزاحة كابوس الأمية المطبق على أنفاس الناس ردحا طويلا، لكنه مع الأسف تفاؤل مشوب بالقلق، فما تحتاج اليه هذه المبادرات من موارد مالية ضخمة، يقف حائلا وإتمام هذه المشاريع المجتمعية الطموحة.
ورغم ذلك لا نفقد مطلقا الأمل، في أن يأتي اليوم الذي نرى فيه العالم وقد شملته برامج توفر للناس قسطهم من التعليم، حقيقة الأمر، فإن الإيمان الصادق بقضايا الإنسان وخصه بالحياة الكريمة، هو الذي يدفع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية إلى التعجيل بطرح أفكار ناجعة تقودنا إلى حلول، وهذا ما يدعونا لأن نصرف وجوهنا صوب ما يؤديه العمل الخيري الكويتي بمؤسساته، من إسهامات جليلة في حقول التعليم، والتي بذلت فيها غاية العناية، وروجت لها بين أوساط المتبرعين للإنفاق عليها، وأمنت المقررات المغذية لحركتها، والضامنة لاستمرار فاعليتها، وجعلها مشاعا بين فقراء العالم.
لقد كان العمل الخيري الكويتي غير هياب، حين شمر عن ساعد الجد في همة استقام سبيلها، واستبانت غايتها، محاطا بنوايا الخير والنفع، لتشكل مشاريعه التعليمية فتحا جديدا، في تنمية المجتمعات الفقيرة، تشد من أزرها، في بيئات كثيرة اعتصرتها الأزمات، امتدت الأيدي بالعطاء لا يحد نشاطها شيء، وتنوعت بالتالي المبادرات التي كانت خليطا من صفاء الروح، وسمو النفس، وحرارة الحياة، فأنشأت المدارس على أنواعها التي غطت احتياجات أبناء القرى الفقيرة، والمدن النائية، ومنحتهم الفرصة كاملة للحاق بركب العلم، لينالوا حظا وافرا من المعرفة في أجواء صحية، خصبة الإنتاج، تنتج المستقبل في جوف الحاضر، لقد كانت هذه الإطلالة الخيرية قادرة على العطاء، بعد أن تولدت فيها ناشئة من الأمل، موصولة بأفئدة الإنسانية، تصون كيانها، وترسل فيها الرجاء فلا يقتلها اليأس.
والحقيقة المؤكدة، أن مشاريعنا التعليمية قد أحاطت الشرائح الأكثر احتياجا بسياج منيع من رعايتها في الداخل والخارج، حين خصصت كفالاتها المجزية للصرف على الطلبة الأيتام في أقطار عديدة، تزيل عنهم بقايا الإهمال، بل لم تكتف بهذا وحسب، فقد دأبت على استدعاء الذات الخيرية لدى المتبرع، الذي رأى في كفالة الطالب غير القادر، عقيدة لا يحيد عن دربها.
والشيء بالشيء يذكر، فما أقدمت عليه جمعية النجاة الخيرية مؤخرا، من استقدام نخبة متميزة من المدرسين من السودان الشقيق في تخصصات متنوعة يدعو إلى الاستحسان، ويأتي ذلك الموقف من داخل الضمير الإنساني للتعليم، ويبرهن على بعد نظر إدارتها، التي تحرص على تطعيم الكادر التعليمي لمدارسها بالخبرات، علاوة على مسايرة النهج الإنساني، المستهدف الوقوف إلى جانب الأشقاء في السودان والتخفيف من مصابهم، لقد أصبحت مشاريع النجاة مع مرور الأيام قبساً من روح الكويت، وأعمال «لجنة طالب العلم» فيها تؤمن عليها، والتي لا يتخاذل إيمانها عن بناء عقد اجتماعي جديد، تساند بما أوتيت الطلبة الفقراء، ومن واجبي أن أسجل هنا أثرها الكبير، حين أوقدت شعلتها عبر مدارسها الخاصة التي غطت محافظات الكويت، تمتد خيوطا للنور، ومصابيح للمعرفة، تكشف الطريق لأجيالنا، يكون العلم دليلهم، فأصبحت لعقود، حاضنة للنوابغ، وساهمت في صياغة مستقبل الكويت.
لقد كانت مشاريع النجاة التعليمية التي لم تترك فرجة في مجتمع الإنسانية إلا سدتها، تستمد قوتها من روح شعبنا الذي يدين لها بالفضل، لتبقى النهضة الخيرية نشيدا للأمل، يتردد صداه في جنبات الكون، ويبعث فيه الحياة.