بيروت ـ ناجي شربل
ليست المرة الأولى التي يواكب فيها اللبنانيون الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية تحت أزيز الرصاص والقذائف والصواريخ والضربات الجوية.
لا بل قليلة هي المرات التي انتخب فيها رئيس للجمهورية بظروف طبيعية منذ 1976، في عز الحرب الأهلية يوم انتخب حاكم مصرف لبنان إلياس سركيس رئيسا في 8 مايو عامذاك في قصر منصور بالمتحف (بين البيروتين في الحرب الأهلية)، في مواجهة «عميد» حزب «الكتلة الوطنية» ريمون اده الذي ترشح لكسر التزكية.
في العام 1982 انتخب المجلس النيابي، الممدد له منذ انتخابات 1972، رئيسين للجمهورية هما الشقيقان بشير (اغتيل في 14 سبتمبر) وأمين الجميل في المدرسة الحربية بالفياضية، وكانت الدبابات الإسرائيلية تزنر بيروت ومحيطها بعد الاجتياح الذي أدى إلى إخراج مقاتلي منظمة «التحرير الفلسطينية» ورئيسها ياسر عرفات من لبنان.
في العام 1989 انتخب المجلس نفسه (1972)، أو بالأحرى من بقي منه، رئيسين أيضا: رينيه معوض في قاعدة القليعات الجوية في 5 نوفمبر، ثم خليفته إلياس الهراوي في «بارك أوتيل» شتورة في 23 منه، بعد ساعات من اغتيال معوض في العاصمة بيروت يوم عيد الاستقلال.
وحده الرئيس العماد أميل لحود انتخب «بصورة طبيعية» في 24 نوفمبر 1998، بعدما أمضى تسع سنوات في قيادة الجيش، منتظرا منها ثلاثة أعوام انتهاء نصف الولاية الممدة لسلفه الرئيس الهراوي.
العماد ميشال سليمان انتخب في 25 مايو 2008، بعد فترة من الفراغ الرئاسي، وعلى وقع أحداث 7 مايو عامذاك في بيروت، التي عرفت بـ «اجتياح حزب الله» للعاصمة.
كذلك وصل العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا في 31 أكتوبر 2016، بعد فترة أطول من الفراغ الرئاسي، وان كانت مرت من دون أحداث داخلية في شوارع العاصمة، لكنها ترافقت مع سيطرة تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» على مناطق واسعة في الجرود اللبنانية، تزامنا مع اعتداءات إرهابية ضربت شوارع في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأوقعت عددا كبيرا من الضحايا.
الدور الآن على رئيس يصل إلى بعبدا، في عز أزيز الطيران الحربي الإسرائيلي على اختلاف أنواعه، وفي أجواء مماثلة لاجتياح العام 1982، مع فارق ان العاصمة لن تسقط في قبضة الأعداء، ولن يكون هناك غالب في الداخل اللبناني يفرض رئيسا على الشركاء في الوطن.
وتبدو حكاية كرسي الرئاسة في بعبدا مستعصية على الطرق السهلة لولوج ساكن القصر المقر الرئاسي للبلاد، بل باتت تستلزم مخاضا، ليس دونه العبور على جثث وركام ودمار غير مسبوقين في تاريخ البلاد، تبعا لكل حقبة.
«المشكلة عند المسيحيين في الاتفاق على رئيس». عبارة لخص بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي واقع الحال منذ ما قبل 31 أكتوبر 2022، تاريخ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون.
ولحل المشكلة، يعول الرئيسان بري وميقاتي على «الزعيم» الدرزي وليد جنبلاط لإحداث «ليونة» لدى الفريق المتشدد مسيحيا. وقد سارع جنبلاط إلى إيفاد النائبين في كتلة «اللقاء الديموقراطي» وائل أبوفاعور وراجي السعد إلى كل من رئيسي حزبي «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع و«الكتائب» النائب سامي الجميل، سعيا إلى خفض السقوف، والتقاط فرصة تمرير الاستحقاق الرئاسي الذي يفتح الباب واسعا في هذه الظروف لاستعادة الدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم من «حزب الله»، بنشر الجيش اللبناني على الحدود، والالتزام بتنفيذ القرار 1701. ما يعني أقفال «جبهة الإسناد» لغزة التي فتحها «حزب الله» في 8 أكتوبر 2023، في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة «حماس» في مستوطنة غلاف غزة.
تبدو الفرصة سانحة أمام اللبنانيين لحل مشكلاتهم الداخلية المتراكمة في «حزمة واحدة». ودون ذلك سلوك 86 نائبا الطريق إلى مقر البرلمان في ساحة النجمة، وانتخاب رئيس بات الاجماع على توصيفه «توافقيا» ليلقي خطاب القسم وينتقل مباشرة إلى قصر بعبدا ليباشر مهماته.
مرشحان وربما ثلاثة، واحتمال رابع كان الأكثر تقدما قبل اغتيال حسن نصرالله في 27 سبتمبر الماضي. بين المرشحين ضابط سابق وضابطان حاليان في الخدمة، وان كان أحد الأخيرين (قائد الجيش العماد جوزف عون) يجبه بـ «ڤيتو» معلن من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ومن قطب سياسي رسمي كبير.
في أي حال، وصف الرئيس ميقاتي مكان المشكلة «عند المسيحيين»، وان كان مكان الحل عند الرئيس نبيه بري الذي أبدى مرونة غير مسبوقة تحسسا مع وضع البلاد التي لا تحسد عليه.