رغم أن عدد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة يبدو ضئيلا، فإنهم يشكلون كتلة تصويتية قادرة على إحداث الفارق في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل، خاصة في بعض الولايات المتأرجحة التي يمكن أن تحسم بفارق صغير من الأصوات.
وكسائر الناخبين الأميركيين، يتمثل الخياران الرئيسيان أمام العرب والمسلمين في المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشحة الديموقراطية نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، بينما هناك خياران ثانويان آخران يتمثلان في تأييد مرشح مستقل أو الالتزام بحملة «غير ملتزم» التي أطلقت احتجاجا على موقف إدارة الرئيس جو بايدن من عدوان الاحتلال على قطاع غزة.
ولا يعتمد النظام الانتخابي في الولايات المتحدة على الأصوات الكلية في عموم البلاد، بل أصوات كل ولاية على حدة ما يمنح الأقليات تأثيرا أكبر على نتائج الانتخابات وبالتالي يكون صوتها مهماً.
وتسعى الديموقراطية هاريس إلى استقطاب الناخبين العرب والمسلمين، نظرا لكونهم يشكلون شريحة كبيرة من الناخبين في «الولايات المتأرجحة» بالإشارة إلى كون نتائج التصويت فيها غير محسومة لأي من الحزبين الرئيسيين، على عكس الولايات المصنفة على أنها «حمراء»، حيث يصوت غالبية الناخبين فيها للحزب الجمهوري، والأخرى «الزرقاء» المعروفة بتأييدها للحزب الديموقراطي.
وفي مسعى لاستمالة ناخبي تلك الولايات خاصة «ميشيغان»، استعانت هاريس بالمحامية الأميركية المصرية الأصل بريندا عبدالعال التي كانت مسؤولة في وزارة الأمن الداخلي سابقا للمساعدة في قيادة التواصل مع الناخبين الأميركيين العرب، كما عينت المحامية الأميركية الأفغانية الأصل نصرينا باركزي للتواصل مع الأميركيين المسلمين.
وفي آخر مساعي استقطاب العرب والمسلمين من قبل حملة هاريس، شارك المرشح عن منصب نائب الرئيس الديموقراطي حاكم مينيسوتا تيم والز الخميس الماضي في فعالية افتراضية نظمتها منظمة «إيماج» الناشطة في مجال الحقوق السياسية للمسلمين في الولايات المتحدة تحت عنوان «منتدى مليون صوت مسلم».
إلا أن مشاركة نحو 300 شخص في المنتدى تدل على تراجع تأييد مسلمي الولايات المتحدة للديموقراطيين، وذلك بالمقارنة بمشاركة أكثر من 3 آلاف منهم في فعالية مماثلة إبان الانتخابات الرئاسية السابقة في عام 2020.
وفي محاولة لتعزيز موقف هاريس في السباق الرئاسي، أعلن عدد من الأئمة المسلمين تأييدهم لها في رسالة مفتوحة نشرت في نهاية الأسبوع الماضي عبر شبكة «ان بي سي» الإخبارية الأميركية.
وأشار الأئمة الموقعون على الرسالة إلى «أهمية التفكير المنطقي في قرارات التصويت»، معربين عن اعتقادهم أن دعم هاريس هو «الخيار الأفضل لإنهاء إراقة الدماء في غزة ولبنان» كونها «مرشحة ملتزمة بوقف إطلاق النار».
وفي المقابل، حذروا من «تمكين ترامب من العودة إلى منصبه سواء بالتصويت له مباشرة أو لمرشح من طرف ثالث». ونقلت «ان بي سي» عن محمد السنوسي، وهو أحد قادة المجتمع المسلم في الولايات المتحدة وأحد منظمي اعداد الرسالة تأكيده أن معظم الموقعين عليها «يمثلون مجتمعات كبيرة في ولايات حاسمة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وكارولينا الشمالية».
ومن غير المعروف بعد إذا كانت الجهود المبذولة لاحتواء معارضة المجتمعات العربية والإسلامية لسياسة بايدن في مقاربة الأزمة في غزة وتلك المستجدة في لبنان مؤهلة للنجاح خاصة بالنظر لمضمون المناظرة التي جمعت الأسبوع الماضي نائبي المرشحين الرئاسيين الديموقراطي تيم والز والجمهوري جيمس دي فانس والتي لم يتمايز فيها والز عن منافسه فيما يتعلق بموقفه من الاحتلال.
ولرصد موقف الأميركيين العرب، نشر «معهد العرب الأميركيين» الأربعاء الماضي استطلاع رأي أجرته لصالحه مؤسسة «جون زغبي» المتخصصة بالاستطلاعات والأبحاث وجمع البيانات أظهرت نتائجه تقدما لشعبية ترامب على هاريس في الوقت الحالي.
وأظهرت نتائج الاستطلاع التي شملت 500 ناخب عربي مسجل، أن الحرب الدائرة في غزة قلصت دعم الأميركيين العرب المعتاد للمرشح الديموقراطي بشكل كبير، حيث قال 46% من الناخبين المحتملين الذين استطلعت آراءهم إنهم سيدعمون ترامب بينما قال 42% إنهم سيدعمون هاريس.
وأشار الاستطلاع إلى أنه على الرغم من أن «هاريس استعادت الكثير من الدعم الذي فقده بايدن بعد السابع من أكتوبر، ظل ذلك التأييد أقل بنحو 18 نقطة عن مستوى دعم بايدن لعام 2020 بين الناخبين الأميركيين العرب».
كما أن تصريح ترامب المتكرر بأن النزاعات التي تخاض حاليا سواء في أوكرانيا أو في الشرق الأوسط «لم تكن لتحصل» لو كان رئيسا للولايات المتحدة وتأكيده أنه «سينهيها» فور توليه الرئاسة في حال فاز بالانتخابات، يحظى بتأييد من قبل قطاعات واسعة من الشعب الأميركي بما يشمل العرب والمسلمين المعترضين عليها سواء من ناحية أخلاقية، أو لكون انه يتم تمويلها بشكل كبير من أموال دافعي الضرائب، باعتبار أنه من الأجدر أن يتم توجيه تلك الأموال لإحداث تغيير مفيد للشعب الأميركي كالاستثمار في التعليم والصحة والإسكان وغيرها.
وفي مقال تحليلي لتداعيات التطورات في المنطقة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، قالت الصحافية ميغان مينيرو «من غير المرجح أن تؤثر التصعيدات الأخيرة في الشرق الأوسط على غالبية الناخبين الأميركيين».
إلا أنها اعتبرت في مقالها الذي نشره موقع «المونيتور» الذي يعرف نفسه بأنه مصدر «مستقل» لأخبار الشرق الأوسط، أن «استجابة الولايات المتحدة للصراع في المنطقة جعلت الناخبين الأميركيين العرب منقسمين بشأن دعم الديموقراطيين والجمهوريين قبل انتخابات نوفمبر».
وأشارت إلى أن «الناخب الأميركي العادي لا يعتبر الحرب في الشرق الأوسط أولوية قصوى عند التفكير في من سيصوت له في الخامس من نوفمبر».