عادة ما يستذكر الباحثون المعاناة والصعوبات التي يواجهونها في مراحل البحث العلمي، إلا أن مرحلة استخراج النتائج العامة للوهلة الأولى وعرضها تعتبر من أهم وأمتع المراحل في الدراسات الميدانية ومشاريع قياس الآراء.
فهذه المرحلة تتيح للباحثين فرصة مراجعة البيانات والتعمق في فهم النتائج قبل الوصول إلى التحليل الإحصائي المفصل من علاقات وروابط واختلافات ذات دلالة إحصائية، كما تسهم في إعداد التقرير النهائي بشكل أكثر دقة وموضوعية، بالإضافة إلى قوة نشرها واستخدامها، وهي المرحلة التي دوما أتطلع لها وانتظرها بشغف!
من الضروري في هذه المرحلة الأولى لقطف ثمار البحث أن يتم استعراض النتائج بشكل جماعي مع فريق البحث المتنوع، لمناقشة منطقية هذه النتائج من زوايا مختلفة حتى لو نقادة!، فقد يكون هناك منطق بشري أو منطق في الإجابات أو منطق الخبراء المحليين أو منطق ينسجم مع البيئة والتغيرات المحيطة، مما يساعد في تأصيل هذه النتائج وتعزيز الثقة فيها لدى الفريق البحثي من الداخل أولا.
كما لابد من تحديد النتائج «الشاذة» أو «المستغربة» إن وجدت، والاستعداد لنقدها أو الرد عليها قبل الإعلان عنها، فهذه المرحلة مهمة، خاصة إذا كانت النتائج ستعلن لوسائل الإعلام أو في مؤتمرات وندوات عامة. وينصح بتجهيز التبريرات والردود الممكنة على هذه النتائج، وتخيل استخدامها حتى لو كانت مسؤولية إنتاج الرقم تختلف عن مسؤولية استخدامه.
وفي هذه المرحلة، يمكن أن يكون من المفيد دمج النتائج الإيجابية مقابل السلبية منها مثلا «الرضا» مقابل «عدم الرضا»، وعرضها بشكل منفصل لتسليط الضوء عليها والتسهيل على القارئ من حالة النفور من الأرقام. كما يمكن إعادة ترتيب عرض النتائج بشكل منطقي بدلا من ترتيب الأسئلة الأصلي، بما يخدم عملية التحليل والفهم بشكل تصاعدي أو تنازلي.
وتزداد أهمية هذه المرحلة في تطوير أدوات جمع البيانات المستقبلية، فمراجعة الأسئلة والصياغات التي أدت إلى نتائج «شاذة» أو «مستغربة» والبحث عن أسبابها يساعد في تحسين هذه الأدوات في الدراسات المقبلة. كما أن الخبرات السابقة للباحثين في المجال وتنوع خلفياتهم يمكن أن تثري عملية تفسير النتائج وربطها بالسياق.
ليست هذه المرحلة جميلة ومهمة لتطوير مرحلة تحليل البيانات فحسب، بل واكتشاف الأخطاء المحتملة إن وجدت وزيادة قناعة فريق الباحثين، مما ينعكس إيجابا على جودة البيانات وعلى التقرير النهائي للدراسة.
[email protected]