يعد التعبير الشائع «الحاجة أم الاختراع»، دليلا على صبر عالم البصريات المسلم الحسن ابن الهيثم، فقد ولد ابن الهيثم عام 965م، وكان منذ نعومة أظفاره حرا لا يحب التقيد بشيء يحبس حركته، فلما كبر مع هذه الصفة، لم يستطع أن يرتبط بأي وظيفة حكومية، فكان الحل البديل العمل الحر.
وأصبح العمل الحر الذي يرتزق منه ابن الهيثم ويعيش عليه، هو تأليف الكتب العلمية وبيعها فهو عاشق للزخارف الإسلامية، وكان الخط الجميل عندما يتعانق مع الزخرفة الإسلامية على صفحات كتاب علمي يجعل منه قيمة يتنافس الأثرياء على اقتنائها.
وكان ابن الهيثم كلما انتهى من كتابة كتاب له ذهب إلى رواق الأزهر لبيعه، وكان الناس ينتظرونه على أحر من الجمر، وكانوا يدفعون له الثمن السخي، فثمن كتاب واحد يحصل عليه يمكن أن يكفيه تكاليف المعيشة طوال سنة كاملة.
وعندما تقدم العمر بعالمنا ابن الهيثم أصبح يهدده ضعف البصر، فماذا يفعل وهو لا يملك مهنة سواها، ولما كان عالما بالبصريات، فقد جرب ابن الهيثم قطع الزجاج، وأخذ يجري تجاربه إلى أن توصل إلى شكل للزجاج المحدب يضعه على صفحات الكتاب فتظهر حروفه كبيرة، وأدرك عالمنا أن العين ترى، وتختلف رؤية كل عين عن الأخرى، فصنع قطعتين من هذا الزجاج حسب مستوى الإبصار لكل عين، فحصل على أول نظارة طبية للقراءة في تاريخ الإنسانية.
إنه «ابن الهيثم» العالم المسلم الفذ الذي تحدى السن، واستطاع أن يُسخر موهبته للوصول إلى حل علمي لمشكلته، فأصبحت النظارة بعد ذلك عملا لا يمكن الاستغناء عنه حتى الآن، فكم من إنسان عاش حياة عادية بالنظارة الطبية؟ وكم هي مهمة تلك النظارة التي نورت العلم والعلماء على يد عالم مفكر مبدع فذ؟
نعم فقد كان ابن الهيثم أحد الرواد الذين أحيوا الحضارة الإنسانية لتسطع شمس العرب على الغرب.