في هذا المقال سنتناول بعض الإفادات التي يمكن أن يستفيد منها القطاع الخيري عموما من إصدار تقارير الاستدامة. ولكي يستفيد أصلا القطاع لا بد أن يقتنع بأهمية الاستدامة، وهو ما تناولناه سابقا، وأن يؤمن بضرورة تفعيله مفاهيم ومبادئ الاستدامة بعناصرها ودوائرها الثلاث (البيئة - الناس/ المجتمع - الاقتصاد)، فضلا عن تحقيق الحوكمة والضبط، ودمج هذه المفاهيم، وكذلك الأهداف السبعة عشرة، أو ما يعني القطاع منها أو يدخل في اهتمامات عمله، في سياق عمل القطاع، ووضع ضوابط وسياسات وإجراءات تحقق هذه المبادئ والأهداف أو المختار منها.
ومن صور الدمج والتبني لهذه المفاهيم والمبادئ والأهداف والتي يمكن أن نذكرها هنا هو النص على تبني قيمة الاستدامة كإحدى قيم القطاع وغاياته، وتبني التوجه نحو الاستدامة والاستثمار في المستقبل كأحد محددات العمل والتفكير الاستراتيجي للقطاع، وكذلك الالتزام الطوعي بإصدار تقرير الاستدامة... وهكذا.
ومما تفيده هذه التقارير دعم الشفافية وإمكانية المساءلة، وتطوير القرارات المتعلقة بالتوجهات والسياسات، وحفز مشاركة المعنيين، ودعم الكفاءة والفعالية.
كما لا ننسى أن الأهداف الـ 17 التي تبنتها الأمم المتحدة وتبنتها معظم الدول، وتم إصدار تقرير حولها صارت أحد معايير التقييم المهمة للدول والمؤسسات، وأن هذه الأهداف توجه الكثير من الشركات والمؤسسات وتحدد مسارها المستقبلي، والمستقبل لن يسع إلا المراعين لهذه التوجهات الخادمة للبيئة والمجتمع والمؤثرة على الاقتصاد.
ومن خلال النظر لهذه الأهداف الـ 17، يمكن أن تتوجه المنظمات نحو تبني وطرح مشاريع جديدة وإعادة النظر في بعض المشروعات، فمثلا الجهات الخيرية ستركز على ديمومة الأثر، وستركز على المشاريع غير المؤثرة على البيئة، وستتجه إلى دعم مشاريع نوعية للمحافظة على البيئة، ومعالجة الاقتصاد الأخضر، وهكذا.
وإصدار التقرير يمكننا من قياس أدائنا فيما يخص تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأهدافنا عامة، ويمكننا من مقارنة أدائنا مع المعايير العالمية المناسبة لعملنا، ويمكننا من قياس أثرنا، والتحكم فيه، وكما قالوا «فما لا يمكن فهمه والإلمام به وقياسه لا يمكن التحكم به»، وكذلك يمكننا من معرفة الوضع أو المستوى الحالي لأدائنا وتأثيرنا، أو تأثرنا، ومقارنة أدائنا مع المنظمات الأخرى الشبيهة، كما أنه يلفت النظر إلى عوامل ضمان استمرار عملنا، وتوسيع تأثيره، ويرشدنا إلى تقويته والتأكيد عليه، فضلا عن تقارير عامة تقود دائما إلى تحسين البيئة الداخلية وتقرير الاستدامة يؤكد على ذلك ويؤدي إليه، ويساعد أيضا على عدم وقوع المخاطر أو تجنبها.
ولا يغيب عنا أن إصدار التقرير يساعد ويدعم الاعتراف الخارجي كالأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ويعزز سمعة المنظمة، ويحقق نوعا من التواصل مع المعنيين ويبرهن على الشفافية والحوار البناء مع المعنيين، ويثبت مبدأ الالتزام بالتنمية المستدامة، ويرشد إلى بعض نواحي التطوير الممكنة في المنظمة، مثل السعي إلى تبني تقنيات حديثة للطاقة المستدامة وغيرها من الأمور.
وإلى لقاء قريب.