احتفلت الأمم المتحدة هذا الشهر بيومها، وفي هذا اليوم من كل عام تطفو على السطح قيم إنسانية جديدة، يتعلق بأهدابها ملايين البسطاء حول العالم، ملايين حرموا حقهم في الحياة الكريمة، لكنهم رغم ذلك لم يفقدوا الأمل في فرص للنجاة.
بتاريخ 24 أكتوبر 1945م أذن بميلاد الصرح الأممي الكبير، ليسهم وجوده في خلق روح التعاون البناء بين البشر، ويكفل النهوض بمصالحهم، كانت هذه النقلة بمنزلة الإذن بطي صفحة مليئة بالقتل والدماء، وإنشاء عالم جديد، يملؤه التسامح والأمن، وتشيع فيه السعة، ويطمئن الناس بأن بابا من الحياة تفتح لهم، وتنتظم حبات عقد اجتماعي عالمي، يحمي الضعفاء، ويسعف المنكوبين.
لم تكن الكويت بمعزل عن كل هذا، فبعد حصولها على الاستقلال 1961م، أصبحت عضوا نشطا، وجزءا رئيسا من المكون الدولي، لتسهم بشكل فاعل في تبني أهدافها، وتأكيد قيم شراكتها، والمساهمة بمثالية في تأدية نصيب من البر، تبسط ذراعيها لتضم أشتات المحتاجين الذين ألح عليهم البؤس، تصنع حياة مبرأة من المتاعب، تعطي صورة رائعة للعطاء، فلا ترى خيرا إلا سجلته، ولا تحس معروفا إلا وأذاعته، لقد أعطت تحركات الكويت روحا جديدا للإسهام الإنساني، فاستحقت أن يكون لها في نفوس المجتمع العالمي سلطان وتقدير، بما حققته من نتائج باهرة على الأرض، بفضل مشاريعها التي سلكت بالفقراء نحو الحياة الهانئة الكريمة، وعصمت النفوس الزكية من أن تزهق.
وللأمانة، فقد أوفت الكويت بعهدها، فلم تنحرف يوما عن مسارها الإنساني المرسوم، ولم تتغافل عن دورها القادر على قراءة الواقع الاجتماعي المتردي، بل والسعي إلى تصحيحه، وإنشاء عالم جديد، يطمئن فيه الناس إلى بعضهم، عالم تسوده قيم العدالة الاجتماعية، والحرية والمساواة، والحق في الحياة، فلم يكن اختيار الأمم المتحدة 2014م للكويت مركزا للعمل الإنساني، وتسمية أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، أميرا للإنسانية من فراغ، بل يدلل على ذلك منجزها الإنساني الحافل بالمشاريع النوعية التي شملت مختلف قطاعات الحياة، إلى جانب استجابتها السريعة وغير المشروطة، للنداءات الأممية وإغاثة المتضررين بالعالم، يكون الجميع عندها على قدم المساواة.
ولا يفوتني أن أذكر بأن العمل الخيري كان جزءا أصيلا من هذا المكون الإنساني الكويتي، وعماد مسيرته، وحافزا لتنميته، بل وقودا لحركته، عبر مؤسساته التي جابت الأرض تمثل إرادة الكويت، وتعبر عن تطلعات شعبها، وأقول باطمئنان: إن مصدر القوة في مشاريع الكويت الخيرية أنها أصبحت بمرور الوقت تشغل مكانا مميزا في عالم الإنسانية المجهدة، والتأسيس لرؤية تستحق أن تكون بديلا للواقع السيئ، تتجدد تجلياتها، وتتنوع صورها بشكل مذهل، فتراها في كل مكان يحيط بأهل الحاجة، كجزء من ثقافة الأمة ومظهرها.