قالت مجموعة الوطني للثروات إن نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر اجراؤها قبل نهاية العام الحالي تحمل في طياتها العديد من المخاطر التي سيكون لها تأثير واضح على آفاق الاقتصاد العالمي، وبالتالي على الأسواق المالية، نظرا للتحولات التي يشهدها النظام الدولي حاليا.
وبالإضافة إلى نتائج السباق الرئاسي، يأتي التجديد الكامل لمجلس النواب وانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ ليزيد من أهمية تحليل هذا الحدث السياسي.
ويعتبر سيناريو «الجمود» السياسي هو الأكثر ترجيحا، حيث يعتبر السيناريو الخيار المفضل للأسواق المالية، لأنه يقلل من فرص إقرار سياسات حزبية مثيرة للجدل قد تتسبب في اضطرابات غير متوقعة على الرغم من احتمال أن يؤدي ذلك إلى مفاوضات طويلة للوصول إلى حلول وسط.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد سيناريو ما يسمى «بالهيمنة الشاملة» لأحد الحزبين، والذي قد يحمل تداعيات تنطوي على تغييرات واسعة وعميقة لمختلف السياسات في مجالات متعددة. فعلى المديين القصير والمتوسط، من المحتمل أن تلعب السياسة الأميركية دورا جوهريا في حركة الاقتصاد والأسواق، بينما التأثيرات الأعمق سوف تنعكس على السياسات الأميركية بعيدة المدى.
سيناريوهات نتائج الانتخابات الأميركية والسياسات المتوقعة المرتبطة بتلك النتائج:
- اكتساح الجمهوريين (سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونغرس) فمن المتوقع أن يشهد هذا السيناريو إعادة تنظيم جذري للعلاقات التجارية، وإلغاء القيود التنظيمية المفروضة على بعض القطاعات، فضلا عن تشديد قواعد الهجرة وتيسير السياسة المالية.
- اكتساح الديموقراطيين (سيطرة الديموقراطيين على البيت الأبيض والكونغرس): وسوف يؤدي ذلك إلى سياسة مالية أكثر تيسيرا وزيادة في الإنفاق، مع تغييرات محدودة في سياسات التجارة والهجرة، وتعديلات طفيفة في الإطار التنظيمي.
- حكومة منقسمة/ ترامب (سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض، انقسام الكونغرس): قد يؤدي هذا السيناريو إلى إعادة تنظيم دراماتيكي للعلاقات التجارية، مع تشديد قواعد الهجرة، وتيسير السياسة المالية، بالإضافة إلى تغييرات محدودة في الإطار التنظيمي.
- حكومة منقسمة/ هاريس (سيطرة الديموقراطيين على البيت الأبيض، انقسام الكونغرس): ومن المتوقع أن يشهد هذا الوضع أعلى درجات «الجمود» السياسي، مع تغييرات ضئيلة في سياسات التجارة والهجرة، واحتمالات منخفضة لتبني سياسة مالية توسعية، في حين يبقى الإطار التنظيمي بشكل عام دون تغيير.
أهم الاختلافات الرئيسية
واستعرضت مجموعة الوطني للثروات أهم الاختلافات الرئيسية في المواقف المحتملة للمعسكرين حول قضيتين رئيسيتين: التجارة والسياسة المالية. إذ يمكن أن يكون للقضيتين آثار مباشرة على أسعار الفائدة وأسواق العملات والأسهم، ينتج عنها تبعات ذات تأثير على المستوى العالمي.
المجال الوحيد الذي يشهد تقاربا كبيرا بين الحزبين هو السياسات المتعلقة بالصين. لذلك، فمن المرجح أن يستمر الرئيس الأميركي المقبل في دعم السياسات التجارية التي تدعم التفوق التكنولوجي الأميركي وتعزز الأمن القومي. من هذا المنظور، يتعين على الأسواق أن ترحب بالنهج التدريجي لإعادة تنظيم المصالح الأميركية بعيدا عن المنافسة الآسيوية، من خلال إعادة أنشطة التصنيع إلى الأراضي الأميركية، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وإعادة توجيه التجارة نحو شركاء الولايات المتحدة وفقا لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (المكسيك وكندا). وعلى النقيض من ذلك، تنتظر الأسواق مخاطر أكبر إذا تم اعتماد زيادة كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات، حيث إن الإجراءات الانتقامية المحتملة من الدول المتضررة قد تؤدي إلى ديناميكيات سلبية تؤثر على التجارة والنمو العالمي.
وتسعى أجندة ترامب إلى رفع التعريفات الجمركية بوتيرة حادة (تصل إلى 60% على الواردات من الصين و10% على باقي الواردات من مختلف دول العالم). وهنا تجدر الإشارة إلى أن المكسيك أصبحت الآن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.
وإذا تم تطبيق هذا الاقتراح، فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد ارتفاعا مؤقتا في معدلات التضخم، إذ من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الأساسي بنحو 0.3-0.4%. وإذا تم اعتماد تعريفة عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات، قد يصل التأثير على أسعار المستهلكين إلى مستويات أعلى بنحو ثلاثة أضعاف تقريبا. من جهة أخرى، في حال تولي الحكم إدارة ديموقراطية جديدة، هناك فرصة ضئيلة لزيادة التعريفات الجمركية.
وفي ظل إمكانية ارتفاع قيمة الدولار الأميركي نتيجة لزيادة أسعار الفائدة، فقد يسهم ذلك في الحد من التداعيات السلبية. حيث أظهرت عمليات المحاكاة أن الارتفاع بنسبة 10% في قيمة الدولار قد يؤدي إلى خفض التضخم الأساسي بنحو 0.4%. بالإضافة إلى ذلك، قد يقلل انخفاض حجم التجارة الخارجية من أهمية بعض السلع، حتى في حال كانت البدائل المحلية أكثر تكلفة.
كذلك يعتبر توقيت التشريعات وتسلسل إصدار أية تدابير جديدة تتعلق بالتعريفات الجمركية وتنفيذها أمرا جوهريا. وقد يساهم ذلك في الحد من الآثار السلبية الناجمة عن التضخم وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
أما على صعيد السياسة المالية العامة، فترجح التوقعات أن يؤدي أي من السيناريوهات المحتملة لاكتساح أحد الحزبين للانتخابات الأميركية إلى زيادة ملحوظة في العجز المالي. ومع ذلك، ستختلف مكونات هذا العجز وفقا للنتيجة: حيث قد يشهد اكتساح الديموقراطيين زيادة في الإنفاق، بينما سيكون تخفيض الضرائب هو السمة البارزة في حالة اكتساح الجمهوريين. وبصفة عامة، ستتطلب تغييرات السياسة المالية بعض الوقت لتظهر آثارها، إذ ستؤدي الظروف الأكثر مرونة إلى تعزيز النمو على المدى القصير، مما يزيد من الضغوط التصاعدية على التضخم وأسعار الفائدة، مما قد يؤثر في نهاية المطاف سلبا على مستوى النمو العالمي. ومن المتوقع أن تبدأ الأسواق بالتأثر بتداعيات تغييرات السياسة الأميركية اعتبارا من العام 2026، نتيجة لثلاثة عوامل رئيسية:
1 - لن تنتهي صلاحية أحكام التخفيضات الضريبية الشخصية المنصوص عليها وفقا لقانون التخفيضات الضريبية والوظائف للعام 2017 قبل نهاية العام 2025.
2 - سوف يكون الكونغرس منشغلا بخوض مناقشات معقدة حول سقف الدين، مع اقتراب موعد انتهاء تعليق هذا السقف في 1 يناير 2025.
3 - في ظل غياب التوقعات بحصول أي من الحزبين على أغلبية تصل إلى 60 مقعدا في مجلس الشيوخ، فإن عملية تمرير أي تشريع رئيسي ستستغرق وقتا طويلا.
نعتقد بأن المخاطر المالية الرئيسية التي قد تتعرض لها الأسواق مرتبطة بالتمديد الكامل لقانون التخفيضات الضريبية الفردية عندما تنتهي صلاحيتها، مما قد يشكل مصدر المخاطر الأكبر بالنسبة للنمو الاقتصادي، معدلات التضخم، ومستويات الدين الحكومي.
في العام 2017، تم خفض معدل الضريبة الفيدرالية على دخل الشركات إلى 21%، مما وضع الولايات المتحدة في موضع تنافسي مع نظرائها الدوليين. وفي حال تحقق سيناريو اكتساح الجمهوريين، قد نشهد تخفيض هذه الضريبة بمعدل أعمق يصل إلى 15%. بالمقابل، فإن اكتساح الديمقراطيين قد يؤدي إلى رفع هذه النسبة إلى 28%.
ومن المتوقع حاليا أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 102% في العام 2026 إلى 125% في العام 2035، على أن تستمر في النمو بوتيرة تفوق النمو الاقتصادي في ظل خطط كلا المرشحين (هاريس: 133%، ترامب: 142%، أي زيادة بنسبة 8% مقابل 17% من الناتج المحلي الإجمالي في أي من السيناريوهين).
ما الذي يمكن توقعه للاقتصاد والأسواق في ظل تلك السيناريوهات المختلفة؟
مازال من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات الأميركية، حتى في إطار هامش الخطأ الإحصائي. ففي الوقت الذي تظهر فيه متوسطات استطلاعات الرأي تقدم كاملا هاريس بشكل متزايد، تظل التوقعات مرنة، حيث تضع احتمالات معقولة لكل النتائج الأربعة الرئيسية المذكورة في بداية التقرير. عطفا على هذا السياق، تبدو مخاطر حدوث تقلبات كبيرة في الأسواق منخفضة، خاصة فيما يتعلق بالمفاجآت غير المتوقعة في السياسات التجارية أو تغيير التشريعات المالية والضريبية. والسؤال المحوري الذي يطرح نفسه ليس من سيفوز في الانتخابات، بل ما إذا كانت الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي سيستمران في الابتعاد عن شبح الركود أو تزايد تضخم النشاط الاقتصادي، في بيئة تتسم بالاعتدال فيما يعرف باسم «الوضع المثالي»، وما هي التغييرات المحتملة في السياسة النقدية الناتجة عن ذلك السيناريو.
واستعرضت مجموعة الوطني للثروات توقعاتها وتحليلاتها للموقف من خلال التالي:
الدخل الثابت: في ظل أي من السيناريوهين المتعلقين بالانقسام الحكومي، لا نرى تأثيرات كبيرة ناجمة عن التوقعات الاقتصادية سالفة الذكر والعجز المقدر أعلاه، حيث قامت الاسواق بتسعيرها بالفعل. لذا، سيبقى تأثير البيانات الاقتصادية والسياسة النقدية باعتباره العامل الرئيسي الذي يؤثر على اتجاهات السوق. ومع ذلك، في حال حدوث اكتساح من قبل أي من الطرفين، نتوقع أن يؤدي ارتفاع معدلات التضخم والعجز إلى زيادة مماثلة في عائدات السندات الأميركية.
الأسهم: في حالة الفوز الكاسح للجمهوريين، نتوقع أن تركز الأسواق على الدوافع المالية الإيجابية التي قد تنتج عن ذلك، حيث سيكون لخفض ضريبة الشركات انعكاس إيجابي على الأسهم الأميركية، إلا أن زيادة التعريفات الجمركية قد تؤثر سلبا إلى حد كبير على إيرادات القطاعات الأكثر تعرضا للتوترات التجارية.
في المقابل، سيكون لاكتساح الديموقراطيين تأثير سلبي ملحوظ على الأسهم الأميركية، نظرا لزيادة ضرائب الشركات وفرض قوانين مكافحة الاحتكار بشكل أكثر صرامة. إلا أنه على الرغم من ذلك، قد تتم معالجة بعض من هذه الرياح المعاكسة إذا لم تحدث تغييرات في الوضع الراهن بشأن السياسة التجارية والتعريفات الجمركية. أما في حال وجود حكومة منقسمة تحت أي من الرئيسين، فإن التأثير المالي سيكون ضئيلا، إلا إذا تم التسبب في ما يسمى «بالهاوية المالية» نتيجة عدم تمديد قانون التخفيضات الضريبية والوظائف. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعديلات التي قد تطرأ على التعريفات التجارية، في حالة سيناريو «الجمود» المتمثل في فوز ترامب وعدم سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس تزيد من خطر المواجهة مع الدول الأخرى، بينما من المرجح أن تمثل رئاسة هاريس مع عدم السيطرة الكاملة على الكونغرس استمرارا للوضع الراهن.
الائتمان: من المرجح أن تكون سيناريوهات الاكتساح هي الأكثر تأثيرا على سندات الشركات، حيث تزداد مخاطر اتساع الهوامش في حالة اكتساح الديموقراطيين بسبب الزيادة المحتملة في معدل ضريبة الشركات وارتفاع العائدات نتيجة لعجز الإنفاق. في المقابل، قد تتقلص الهوامش في حالة اكتساح الجمهوريين، حيث من المتوقع أن يفوق التأثير الإيجابي لانخفاض ضرائب الشركات الرياح المعاكسة الناجمة عن ارتفاع العائدات والتأثيرات الناجمة عن زيادة التعريفات التجارية.
العملات الأجنبية: من المتوقع أن تعزز الحوافز المالية الإضافية النمو الاقتصادي وتؤدي إلى اتساع هوامش العائدات، مما يدفع الدولار الأميركي إلى الارتفاع في كل سيناريوهات «الهيمنة الشاملة». إلا أن تشديد السياسة التجارية سيشكل عاملا أكثر تأثيرا على حركة الدولار مقارنة بالسياسة المالية المرنة، حيث إن توقعات التضخم المرتفع ستدعم قوة الدولار الأميركي بشكل أكبر.
السلع: على المدى المتوسط، من المحتمل أن تؤثر التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية على العرض والطلب بشكل كبير. وينطبق ذلك بصفة خاصة على القطاع النفطي، حيث يؤثر كل سيناريو انتخابي في نتيجة التفاعل بين الديناميكيات الصعودية والهبوطية المؤثرة في النمو والطلب العالمي للنفط إضافة إلى تقلبات العرض، قد يشهد العالم تقليص الامدادات النفطية او خفضها بناء على السياسات الجديدة في ظل رئاسة ترامب، تشمل هذه التغييرات المحتملة موقفا أكثر صرامة تجاه صادرات النفط الإيرانية، وزيادة تدخل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ومساع لحل الصراع في أوكرانيا. كما قد يتم استخدام التعريفات الجمركية لتحييد العيوب التنافسية للصناعات الأميركية، فضلا عن التراجع عن الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الكربون.
ما هو تأثير الانتخابات الأميركية على منطقة دول مجلس التعاون الخليجي حسب توقعاتنا؟
قد يكون لنتائج الانتخابات الأميركية تأثيرات متباينة على المنطقة. فمن المتوقع أن يشكل انخفاض أسعار النفط على المدى المتوسط، إلى جانب التحديات الجيوسياسية الملحة، اختبارا لقدرة منتجي الطاقة على التأقلم مع هذه المتغيرات. كما أن أي تصعيد حاد قد يلقي بظلاله على المعنويات ويتسبب في ابطاء وتيرة الإصلاحات كما أنه قد يؤثر سلبا على نمو قطاعي السياحة والسفر. إلا أن قوة الميزانيات العمومية لدول المنطقة قد توفر لها احتياطات مالية كافية تمكنها من امتصاص الصدمات الاقتصادية الكبيرة والمحافظة على استقرارها المالي.
ختاما، رغم أن السياسات الفيدرالية قد تؤثر على بعض نتائج الاستثمار، إلا أنها تظل جزءا من مجموعة أوسع من العوامل المحركة للسوق. وتاريخيا، كانت العوامل مثل أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي هي الأكثر تأثيرا. وعلى هذا النحو، رغم أن المقترحات السياسية خلال هذه الدورة الانتخابية قد تعطي انطباعا بحدوث تحولات في الأسواق، الا أن السياسة وحدها ليست محركا موثوقا لأداء السوق. وفي ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، قد تشهد الأسواق بعض التقلبات، إلا أن هذه التقلبات قد تتيح فرصا لتعزيز أو بناء محافظ استثمارية منوعة تركز على النمو. ومن بين الاستراتيجيات الفعالة لإدارة المخاطر المحتملة، تأتي استراتيجيات الحفاظ على رأس المال كخيارات مثلى لتعزيز استقرار المحافظ.