تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر، فعند ابن ماجه وأحمد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة..»، فلم لا؟ فبسببه كم أريقت من دماء، واستبيحت من أعراض، وانتهكت من حرمات، وأفسدت من بهجة، وقد وعت كثير من المجتمعات هذا الخطر المحدق، فسعت تجفف منابعه، وتتعاون فيما بينها لاستحداث الخطط وجعلها سدا منيعا أمام سطوته، بيد أن في بعض الأحيان ما تقصر هذه الوسائل عن الوصول للقدر الذي يحد تغوله، فيشقى به الفقراء، ويجأر منه الأغنياء، وفي كل عام تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للقضاء على الفقر، فتتجدد الآمال بالتخفيف من هذه الأثقال.
لنعلم جميعا أنه لا يعم الفقر ويستشري بلاؤه، إلا وجر في أذياله من الأوبئة ما ينهش جسد البشرية، فتكون عواقبه وخيمة، وأعراضه وبيلة، فتطفو جراء الضعف الاقتصادي الأخلاق المذمومة، والأمراض المجتمعية المبتذلة يصطلي الناس بنارها، ليذيق بعضهم بأس بعض.
لقد أدرك العمل الخيري الكويتي أعراض هذا المرض العضال، فسارع لحشد عزيمته، ورصد إمكانياته، وحث الجمعيات الخيرية على التكاتف مجتمعة في التصدي له، حتى وإن كانت التكلفة باهظة، وللأمانة فقد استصحبت مؤسساتنا وهي تجفف منابع الفقر في العالم، وتبحث عن المحتاجين، قيما إنسانية نبيلة، سارعت في مناطق كثيرة من العالم لاستغاثة الجائع، وأنين المريض، وشكاية المحتاج، فتبسط عليهم جناحا من انسانيتها، تلتمس لهم طريقا للنجاة.
إن الفقر عند تسلطه على النفوس ينبت فيها أرذل الخلال، فيجعلها مرتعا لكل نقيصة، فيتفشى العنف، وتحل الجريمة.
لقد أحسنت الكويت صنعا حين اطلقت يد الخير، تغسل عن جسد المجتمعات الفقيرة هذه الأدران، فكان لتحرك المؤسسات الخيرية دوره الحيوي في تقوية هذه الهياكل المجتمعية الهشة، عبر مشاريع تنموية تبعث في نفوس الناس الأمل، وتسبغ عليهم القوة، فأنشأت الصناديق الوقفية التي كفلت الفقراء، واستوعبت احتياجاتهم، ومما يحمد لها أنها لم تخصص مساعداتها لفصيل بعينه، بل تجاوزت بعدالتها الاجتماعية حدود العرق واللون والدين، حرصت مؤسساتنا وهي تشق طريقها وسط الفقراء، التأكيد على أن بناء الأفهام لا يقل أهمية عن بناء الأجسام، فكان وازعها الأكبر تعديل السلوك، وبناء الشخصية السوية، بمنح الفقراء الفرصة كاملة عبر مشاريع مستدامة فائقة القدرة، تستوعب طاقاتهم المعطلة، وتدر عليهم من أربحاها، كي لا يكونوا عالة يسألون الناس إلحافا.
وفي الأخير، فانحسار الفقر عن العالم، ليس له من بديل غير رعاية مخططات تنموية واقعية، تحتوي حزما مستقبلية يبلغ فيها الفقير مأمنه، ويكفي حاجته، ويثبت من خلال نتاجها المجدي ذاته، والأمل معقود على مشاريعنا الخيرية المتدفقة تغمر فقراء الأرض، أن تكون بقعة ضوء يسيروا على هديها.