عالمنا نحن البشر مليء بالعقبات، زاخر بالصعوبات، محفوف بالمخاطر، مجبول على التحديات التي ينبغي علينا تخطيها وصولا إلى حيث نريد. فلا شيء يمكن تحقيقه دون بذل جهود عظيمة والتحلي بالصبر عندما تعصف بنا خطوب الحياة. ولم يبلغ إنسان قط قمة المجد والشهرة والمال إلا بعد أن قدم الكثير من التضحيات على طول الطريق، وبعدما خاض رحلته وسط نفق معتم يتلمس النور في آخره.
هكذا نمضي في الحياة كما يمضي القبطان بسفينته وسط أمواج البحر المتلاطمة وصولا إلى جزيرة الأمان. وخلال خط حياة الإنسان هذا يمر المرء بمراحل مظلمة، يدور خلالها حول نفسه غير مكترث بمن يحيطون به. يفاقم الأشياء في عقله، ويختلق أكثر السيناريوهات رعبا وغرابة، ويتراءى له الناس بساقين ورأس أفعى، ثم شيئا فشيئا يتفاعل مع رؤاه وأوهامه التي صنعها بمحض مخيلته الخصبة، ويقوم هو الآخر بدوره في دفع الشرور نحوهم، ليجد نفسه في أخطر مرحلة من مراحل وجوده.
إن هذا الضياع والتشتت الذي لابد أن يخوضه كل واحد فينا في مرحلة ما من حياته، ينبغي أن يتم تداركه سريعا قبل فوات الأوان وضياع العمر. إن وجودنا في هذا العالم إلى أجل مسمى، ولا يمكن أن نحيا أبد الدهر، الأمر الذي يحتم علينا مراقبة أفكارنا وتصرفاتنا تجاه الأشياء والأشخاص حتى نحظى بواقع أفضل خلال حياتنا القصيرة، ولا ندخل في دوامة لا تنتهي من السوداوية والشرور الذاتية.
يبالغ الكثيرون من الناس في تصوراتهم ومخاوفهم، ويرسمون لكل حدث متوقع ألف قصة وقصة في عقولهم المسكينة، ليذوقوا الأمرين دون أن يتحقق شيء مما يتوقعونه على أرض الواقع، وإن تحقق فخير لهم أن يتفاءلوا خيرا من أن يتشاءموا فيقضوا أيامهم في التعاسة وجلد الذات انتظارا لما هو قادم.
يمكن للماضي أيضا أن يتحول إلى شبح يطارد الإنسان ويجعله ينعتق وينفصل عن الحاضر الذي يعيشه. لا شيء تملكه سوى اللحظة الراهنة، فالماضي انقضى ولن يعود مهما نطحت رأسك في الحائط حزنا وألما وحسرة وندما، والمستقبل مجرد أوهام وأخيلة وتوقعات لا يتحقق معظمها على أرض الواقع، وربما لن تعيش لتراها تتحقق أساسا، فلماذا القلق القاتل والحزن المدمر إذن؟!
كذلك يعاني الأشخاص الذين يرون الآخرين بمنظار سوداوي كأنما هم أفاع تريد الانقضاض عليهم، أو شياطين تخلو قلوبهم من المحبة والخير. يعاني أمثال هؤلاء من انعدام الدافع والرغبة لفعل أي شيء، والإحساس الدائم بخيبة الأمل من كل المحيطين بهم لأنهم يحملون أفكارا ومعتقدات سلبية مسبقة.
وحين نتفاعل مع مثل هذه الأفكار والمفاهيم المعتمة، نصبح تماما مثلما نرى الآخرين: صورة عنهم. نصبح انعكاسا لما نحمله في داخلنا من أوهام وتصورات، فنحقق بأيدينا ما تصورناه خطأ. وعندها نبدأ في التفاعل بطريقة سلبية وسيئة مع العالم والناس من حولنا، بدلا من أن نكون مشكاة تنير الطريق، وتجسيدا للمحبة والأمل والخير الذي نتوق إلى رؤيته في هذا الزمن الصعب أو ذاك.
فانتبه لأفكارك لأنها ستتحول إلى مشاعر، وانتبه إلى مشاعرك لأنها ستتحول إلى تصرفات، وانتبه لتصرفاتك لأنها سترسم حياتك ومصيرك. ازرع حديقة عقلك بالأفكار المحبة والداعمة، واقتلع أشواك الأفكار المسمومة. دع قلبك يصبح موطنا للمودة والعطاء والخير، ولا تقبل لأي إحساس شيطاني أن يعشش في فؤادك مهما ظلمتك الحياة أو الناس.
كن قدوة يحتذى بها. كن أفضل ممن لا يكترثون بالآخرين، وأكثر عطاء ومحبة ممن لا يذهب عطاؤهم وحبهم سوى لأنفسهم. كن صورة حية للإنسان الذي تحلم أن تراه في المحيطين بك حتى لو لم يكونوا كذلك.
فإذا استطعت أن تكون مختلفا عن الغالبية، فها قد تحقق حلم البشرية، بوجود إنسان واحد متفرد عن البقية!