- فرح الحجلي قادت العمل باحترافية.. وشريف وشاهين نجمان فوق العادة
ياسر العيلة
«حياتك هي حياتك، تعرف عليها طالما هي بين يديك» هذا المقطع هو جزء من قصيدة «القلب الضاحك» للشاعر والروائي الأميركي الراحل تشارلز بوكوفسكي، يلخص أحداث مسرحية «لما التقينا»، من تأليف شاهين النجار، إخراج الموهوبة فرح الحجلي لفرقة «باك ستيج قروب»، والتي عرضت مساء أمس الأول في اليوم الرابع من الدورة الأولى لمهرجان «BACKSTAGE» المسرحي.
عند تتبع مقومات نص مسرحي يتبين لنا لأنه وحدة بتركيبته ولغته وصوره واستعاراته، وانه هو وسيلتنا الوحيدة لفهم ما يهدف إليه الأثر الفني من معنى، وهو في الوقت نفسه مفتاحنا لفهم شخصياته وتحليلها، وإبراز ملامحها وخوالجها النفسية، والحوار الذي يجري على ألسنة أشخاص المسرحية ليس مجرد وسيلة للتعبير، إنما هو رموز تنبئ عن مكنون النفس الإنسانية أثناء اصطدامها بالأحداث والوقائع التي تجري في حياتها، هذا ما لمسناه واقعا في مسرحية «لما التقينا» من قبل كاتبها شاهين النجار الذي يشارك في البطولة أيضا، حيث قدم نصا متماسك الأركان، استكشف من خلاله العلاقات الإنسانية المعقدة، واختيار جوانب الفعل المثيرة والمركزة، والتي تستطيع أن توحي إليك بالمغزى العظيم المليء بالمعاني في هذا النص الأشبه بـ «بانوراما على حياة الانسان» بكل سلاسة من خلال شخصيتي العرض «هي وهو» اللذين يقيمان تجربتهما في الحياة وتحليلهما لها من مرحلة الطفولة حتى الكهولة، وكل منهما يرى التجربة من منظور آخر، منها على سبيل المثال مشاهد طفولتهما وكيف كانا ينظران إلى قسوة أهلهما معهما بنظرة سيئة وهما أطفال، وعندما كبرا وحللا تلك المرحلة بشكل مختلف أصبحا يعطيان مبررات لتصرفات أهلهما وهكذا.
مخرجة العرض فرح الحجلي أوجدت تجربة مسرحية حميمية مكثفة، حيث ركز الجمهور على تفاعل شخصيتي العرض (سلمى شريف وشاهين النجار) والتركيز على الاستكشاف النفسي لهما ودراسة دوافعهما وصراعاتهما الداخلية، وللأمانة «سلمى وشاهين» حملا عبء السرد وتطوير الحبكة الدرامية وإثارة مشاعر الجمهور في أكثر من موقف، منها مشهد القصف على غزة، والتي لم تشر إليه المخرجة بشكل مباشر، انما من خلال لوحة لصورة المسجد الأقصى على حائط المنزل، كما استخدمت مقطعا من أغنية «ألف ليلة وليلة» لكوكب الشرق أم كلثوم.
قدم كل من سلمى شريف وشاهين النجار أداء أكثر من رائع استحقا عليه تصفيق الحضور لهما أكثر من مرة خلال العرض ووقوفه تحية لمجهودهما في نهاية العرض، فهما فنانان معجونان بالموهبة ونجمان بمعنى الكلمة، أداء وإحساسا وتناغما مذهلا.
تناولت مسرحية «لما التقينا» العلاقات الإنسانية والمراحل التي تمر فيها مع ضغوط الحياة، من خلال مخرجة متمكنة أجادت قراءة النص بشكل محكم، واستطاعت أن تحرك الممثلين وتقود كل عناصر العمل الفنية بشكل جميل، وطوعت تقنيات مسرح «دار المهن الطبية» بصورة ممتازة ليخدم رؤيتها الإخراجية، والموسيقى الخاصة بالعرض تم توظيفها في أماكنها الصحيحة.
في الختام، يجب أن نشيد بعناصر نجاح هذا العرض المتوقع انه سيكون منافسا بقوة على جوائز المهرجان الذي يستحق القائمون عليه وتحديدا مؤسسة «باك ستيج قروب» كل التحية والتقدير، لأن المهرجان يكشف لنا كل يوم عن كنوز بشرية تملك الموهبة الحقيقة، وكانوا ينتظرون فرصة ليعلنوا عن هذه الامكانيات، ولن ننسى ديكور المسرحية الذي كان من ابطال العرض ويحسب ذلك لعبدالله الحملي وخالد السالم، ويجب أن نشيد أيضا بالموسيقى لمحمد الحجي وعبدالله الهويدي والإضاءة لسالم الجسمي والأزياء لحصة العباد والمكياج للموهوبة لين الأطرش، بالفعل مسرحية «لما التقينا» أخذت شرعية نجاحها من الجمهور وتنطبق عليها مقولة «عندما ينطق الإبداع فنا».