يقول وهي قصة واقعية: استجبت ورفقائي للدعوة الشيطانية ومشينا لها عبر طريق وعر، فيه من المخاطر لا يسلم منه بنو البشر، هو طريق مباشر فائق السرعة ـ دون توقف ـ إما إلى (الموت، السجن، أو إلى سقم الأمراض). يكمل: لم أستجب لرجاء والدي بالاقلاع عن المخدرات، ولا لإخوتي الذين بلغ أحدهم حد البكاء وهو يسجد على ركبتيه يقبل حذائي طالبا الكف عن التعاطي وعدم السير في دروب الشيطان، حتى والدي لم أره يوما في مثل ذلك الموقف، مكسورا، منحني الرأس، وهو يقبل جبيني مستجديا بكلمات سبقها دعاء لخالقه بأن ينجيني من براثن المخدرات، طالبا الكف عن التعاطي، لم تحرك بي كل تلك المحاولات أي إحساس، فلم أكترث لذل والدي، ولا لرجائه، أو أن أحقق له جزءاً من أمنياته في العود له ولأسرتي، فطريق الموت والـهــوان كان ممهدا لي بسبب ما انا فيه من حالة الــــلاوعي، بالرغم من علمي جيدا بما يميزني به الخالـــق عن الحيوان، وهو العقل والإدراك، ان ظروف انغماســي والغرق في مستنقع المخدرات كان الأقوى حتى من نحيب وبكاء والدتي، حتى بزغ نور الامل القادم مــن قطعة غالية مني، انه (حشاشة) يوفي، ابني الأكبر، الجزء المتبقي من كياني بعد ان من الله علي أمرا كان مفعولا، انها إرادة خالق البشر عز وجل، بعد أن رسم القدر طريق نجاتي، واختط لي ولدي شهادة ميلاد جديدة، فما اعظم حكمتك يا الله ان تجعل المولود يخط شهادة والده، لأقف أمامه يوما بعد ان ابتعد عني الجميع يأسا وقنوطا، لأجدني بقايا إنسان تافه، لفته أثواب الحقارة والذل، وخنقتني الأمراض، وكتمت على أنفاسي الكآبة، تتلقفني اشواك العزلة المرعبة من كل صوب، أتنقل بين ارصفة ونواصي وشوارع وساحات بيوت الجيران، استرق من بين جدرانها ألحانا عذبة من سيمفونيات الحب والعطف والحنين يعزفها الوالدان لأطفالهما ويرددها الأبناء وهم منتشون الحان الألفة والمودة أطفالا كانوا أم كبارا، تطعمت مرارة الوحدة، وألم طردي من كنف أسرة كنت ربانها وأساس كيانها يوما! يستطرد: وقف ولدي يوما أمامي، مختلفا عما كان عليه عندما كان يطلب مني الكف عن التعاطي، وقف هذه المرة على غير عادته، فكنت أجزم تكرار ما سيقول، إلا أنه فاجأني بكلمات ذات تركيب نفسي وأثر بالغ علــي، لـــم اكن متوقعها، قالها بانكسار لا حدود له، «يبا تكفـــه ارجع لنا» أرجع إلى أبنائك إلى رفيقة دربك (أمــي) التي ضحت بكل ما تملك لتربيتنا والمحافظة علينا وعلى شرفك وعرضك وبيتك وكيانك، استوقفتني كلمة «تكفه»، فهي كلمة بمعنى الانتخاء والرجاء، ابني يقول لي: كفاك الله كل هم. قصدني هذه المرة في هذه الحاجة لاعتقاده أني «كفو» لها. استطاعت هذه الكلمة بمعانيها وابعادها وأنا ارى في عينيه رغبة جامحة في ان يعيدني لآدميتي وإنسانيتي، ولم لا، غريبة تلك الكلمة التي أغنتني عن ألف كلمة وعشـــرات المحاولات التي أفشلتها بعنادي، فلم يكن استعدادي حينها حاضرا عن الكف عن المخدرات وأرفض جميع دعوات إبليس الشيطانية، لتـحــين مشيئة الله أن أتخذ قرار الاقلاع عن المخدرات بفضـل الله ثم بسبب رجاء ابني بـ «تكفه يبا».