يحتفل العالم بـ «اليوم الدولي للتسامح» في 16 نوفمبر من كل عام، حيث اعتمدت هذا اليوم الجمعية العامة للأمم المتحدة طبقا للقرار 9551 بهدف الاحتفال بالتنوع والتسامح في الممارسة العملية، والتأكد من أننا نتذكر أن نوفر مساحة لآراء بعضنا البعض، وإذا كانت الآراء أو الأفكار غير مقبولة أو لا يمكن الدفاع عنها في أعيننا فمن واجبنا أن نتحدث وندحضها، ومع ذلك يجب أن نحاول فهم وجهات نظر الآخرين وتطوير الحوار وبناء التفاهم المتبادل، مما يؤدي إلى التعايش السلمي.
إن التأكيد على أهمية التسامح في المجتمع حرص عليه ديننا الإسلامي، فقد حث على تعزيز المبادئ والقيم المتعلقة بالتسامح والوسطية ونشر الاعتدال والاحترام والتنوع الثقافي وتوفير مساحة لآراء الآخرين.
وتم الاحتفال لأول مرة بهذا اليوم في عام 1995 في أعقاب الصراعات العنصرية والثقافية في أفريقيا والتي أدت إلى الإبادة الجماعية في «رواندا»، وأيضا في «الپوسنة»، فقد قالوا آنذاك: «من أجل منع الصراعات وتعزيز حقوق الإنسان» نحتاج إلى «تشجيع قيم التسامح والسلام بين جميع الشعوب».
وذكرت منظمة اليونسكو «أنه يجب أن يهدف التعليم من أجل التسامح إلى مكافحة التأثيرات التي تؤدي إلى الخوف واستبعاد الآخرين، ويجب أن يساعد الشباب على تطوير قدراتهم على الحكم المستقل والتفكير النقدي والمنطق الأخلاقي. إن تنوع الديانات واللغات والثقافات والأعراق العديدة في عالمنا ليس ذريعة للصراع، بل هو كنز يثرينا جميعا».
ويؤكد الاحتفال بهذه المناسبة على توجهات الدول وصون وكفالة التعايش السلمي لكل أطياف المجتمع من مواطنين ومقيمين من خلال الانفتاح على العالم. إن التسامح هو التماس العذر للآخرين، حتى وإن كانوا مخطئين والبحث عن الأسباب التي دعت إلى الخطأ وإعانتهم على تصحيح المسار والنهوض من الكبوة لما فيه الخير لهم وللمجتمع والأمة، ويعتبر التسامح لغة السعادة وطوق النجاة من الغرق في طوفان الحقد والعداوة.
ويؤدي العفو والتسامح إلى بناء علاقات صحية وتحسين العقلية والحد من القلق والتوتر والعدائية، فقد قال الله عز وجل: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) (الشورى: 40). وقال سبحانه: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) (البقرة: 237).
والتسامح والعفو عن بعض الحق من شيم الكرام ومن أخلاق الأفاضل والكرماء لأنه يعزز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويثبت الثقة المتبادلة بين الناس لتكون قوة فاعلة إنسانية وتسهم في رفع جودة حياة الإنسان. وقال نيلسون مانديلا: «لا يولد أحد وهو يكره شخصا آخر بسبب لون بشرته أو خلفيته أو دينه».
والتسامح هو احترام حق الآخرين في التعبير عن الرأي أو الممارسة، وليس بالضرورة الموافقة على ذلك الرأي أو الممارسة نفسها، والتسامح ليس تنازلا عن الحقوق بالذل والمهانة، بل هو نابع من صفاء القلوب وما غلب عليها من الحب والعطف والرحمة والتعاطف، وهو ليس تنازلا من ضعف أو خوف أو قلة حيلة، بل هو صادر عن قوة إرادة وعزيمة صادقة في الانتصار على النفس والذات بكل إيجابية.
فلنكن جميعا متسامحين مع بعضنا البعض لتدوم المحبة في المجتمع وتصفو النفوس تجاه الآخرين.