بغصة ممزوجة بمشاعر العجز واليأس، يتحسر مزارعون على حال آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية.
ويرى أحدهم من قرية العريشة شرقي رأس العين في الحسكة، أن جفاف نهر الخابور حول أرضه البالغة 150 دونما من مروية إلى بعلية، وانخفض إنتاجها تدريجيا حتى باتت تعطي أقل بثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل سنوات.
ويعتمد المزارع، على مياه الأمطار لسقاية أرضه وهي غير كافية، ولا يملك القدرة المالية لحفر بئر، ما يجعل الزراعة عملا لا طائل منه، ويستذكر حين كان إنتاج الدونم الواحد 450 كيلوغراما من القمح في عام 2005، وانخفاضه إلى ما لا يتجاوز 100 كيلو في الوقت الحالي.
ونقل موقع «عنب بلدي» عن المزارع اشارته لوجود آبار، خارج الخدمة، على أطراف النهر يمكن تشغيلها وتفعيلها كي تعود للعمل، لإحياء الأراضي التي تنتظر قطرة المطر في منطقة ذات مناخ جاف صحراوي، تحتاج إلى مصادر مياه أكثر من الأمطار.
وأرض هذا المزارع هي واحدة من مئات آلاف الأراضي في الحسكة ودير الزور، والتي طالتها تدريجيا أضرار جفاف أجزاء واسعة من نهر الخابور، بينما انخفض مستوى مياهه وانتشر التلوث في أجزاء أخرى، ووقعت الكارثة التي كانت تلوح منذ سنوات، لتقضي على ما تبقى من أحد أشهر الأنهار السورية في منطقة الجزيرة، وأهم روافد نهر الفرات، وترسخ أزمة مائية لا حلول لها على المدى القريب.
وتحولت الأراضي الزراعية من مروية إلى بعلية إثر جفافه وتلوثه، وفقدت التربة الخابور الذي كان مصدر مياهها وشريانها الحيوي، ولاتزال أجزاء منه تصارع للبقاء، بعد أن تراجعت مستويات مياهه، نتيجة عوامل طبيعية وبشرية وسياسية، منها قلة الأمطار، وإنشاء السدود من قبل تركيا، وفصائل الجيش الوطني السوري، والاستخدام الجائر للمياه.
تدريجيا، صارت الأراضي على ضفتي الخابور جرداء وذات إنتاج شبه معدوم أو متروكة للقدر دون أي حلول، وتغير نوع الممارسات الزراعية على مدى الـ 50 عاما الماضية، بسبب السدود ومشاريع الري التي بنيت، مع توقعات منذ ثلاث سنوات بأن الجفاف الشديد قادم، وذلك بعد أن كانت الأراضي ذات تربة خصبة تعطي محاصيل استراتيجية شكلت جزءا من سلة سورية الغذائية.
ويعد نهر الخابور من أبرز الأنهار الرئيسة في منطقة الجزيرة السورية، ورافدا مهما لنهر الفرات، ينبع من جنوب شرق تركيا، ويستمد مصدره الرئيس من عدة ينابيع في منطقة رأس العين، أهمها عين كبريت، وعين الحصان، وعين الزرقاء الشمالية، وعين الزرقاء الجنوبية وعين المالحة وعين الفوارة.
ويمر عبر محافظتي الحسكة ودير الزور داخل الأراضي السورية، ويمتد لمسافة تقارب 320 كيلومترا، ويعتبر شريانا حيويا يغذي الزراعة في المنطقة، ويصب في نهر الفرات في منطقة البصيرة بدير الزور.
وكان المزارعون يعتمدون عليه في ري محاصيلهم، ما جعله مصدرا رئيسا للحياة والاقتصاد المحلي، كما لعب دورا بارزا في ازدهار المجتمعات الزراعية، وقيام الحضارات القديمة حول ضفافه.
وفي منطقة رأس العين شمال غربي الحسكة الحدودية مع تركيا، حيث تسيطر المعارضة، جف نهر الخابور كليا منذ نحو 11 عاما، ما أثر بشكل كبير على الزراعة، وأثقل كاهل سكان المنطقة، وشل حركة الإنتاج في أراضيهم التي تعتمد في الري على مياه النهر، وتركهم أمام خيارات أحلاها مر، فإما ترك الزراعة التي لم تعد تجلب همها، أو ري المحاصيل بمياه صرف صحي، أو حفر آبار بكلفة مالية باهظة.
وفق مزارعين ومهندسين ومسؤولين نقل عنهم «عنب بلدي»، يعود سبب الجفاف إلى الاستنزاف غير المنظم لموارد المياه، من خلال الحفر العشوائي للآبار على جانبي الحدود، إضافة إلى توقف تدفق المياه القادمة من تركيا، ما أدى إلى انقطاع كامل لجريان نهر الخابور.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في رأس العين، التي كانت تعتمد على مياه نهر الخابور 150 ألف دونم، وتحولت من نظام الري إلى الزراعة البعلية، وصارت تعتمد بشكل كامل على الأمطار، وانخفضت إنتاجيتها أضعافا، وفق إحصائية من المجلس المحلي لعنب بلدي.