بيروت ـ بولين فاضل
فقط في لبنان ينذر العدو السكان ويحدد نقاط ضرباته، يمهل بعضا من الوقت، يتجمهر سريعا شبان على مقربة من نقاط الاستهداف المحددة على لسان المتحدث العربي باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي أدرعي، ويستنفرون هواتفهم ليوثقوا الضربة الصاروخية من دون حساب للمخاطر والذيول. وكأن التقاط لحظة إعدام هذا المبنى أو ذاك بطولة أو إنجاز أو حدث نادر الحصول كظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر.
والأغرب أن تجمهر الشبان يتكرر أكثر من مرة في اليوم طالما الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت باتت على مدار الليل والنهار، والنتيجة بالتالي عشرات الفيديوهات على المواقع التواصلية والتي يأتي التعليق عليها من أقصى الاستهجان بوحشية العدو إلى أقصى الاستهجان بتهور شبان يرقصون بهواتفهم على حافة الموت.
واذا كان «مسرح الفرجة» يتنقل من مكان إلى آخر تبعا لجغرافيا الاستهداف، فإن الثابت هو أنه لا شي يردع البعض من الشبان عن الانتظار قبالة المباني التي يحددها الجيش الإسرائيلي كأهداف للقصف، من أجل التفرج والتصوير والتفاعل. لا الخوف يردعهم ولا رعب الأصوات ولا ضرر سحب الدخان على صحتهم، فما الذي إذا يبرر أو يعلل فعلتهم من منظار علم النفس؟
في هذا الإطار، قالت المتخصصة بالصحة النفسية والتدخل الفردي والثنائي والعائلي والمساعدة الاجتماعية لين سماحة في حديث إلى «الأنباء»: «هذه الظاهرة مرتبطة بعوامل نفسية واجتماعية وثقافية لها تأثيرها على سلوك الفرد أثناء التوتر الشديد مثل الحرب».
وتحدثت بداية عن «عامل التبلد إذ إن التعرض المستمر للصدمة، مثل القصف يمكن أن يؤدي إلى التبلد العاطفي، فيصبح الناس خامدين تجاه المشاهد والأصوات المرتبطة بالصراع، ما يؤدي بمرور الوقت إلى تفاعلهم مع أقل قدر من الخوف أو العجلة».
كما توقفت سماحة عند «تبني بعض الأفراد آلية تأقلم تنطوي على الابتعاد عاطفيا عن الوضع من خلال التقاط الصور أو الفيديوهات، ومعالجة تجاربهم أو إنشاء سرد لفهم ما يحدث من حولهم».
والأكيد أن لوسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الرقمي تأثيرا في هذا المجال، وهذا ما أشارت اليه الاختصاصية النفسية سماحة بالقول إن «البعض يعطي الأولوية لا للسلامة الشخصية وإنما لأن يكون أول من يصور وينشر لقطات للغارة عبر السوشيل ميديا، وهو بذلك يبحث عن الشعور بالمغامرة والإثارة».
وبحسب سماحة، فإنه «في حالات النزاع الممتدة، قد يبدأ الناس في النظر إلى العنف كجزء من الحياة اليومية، وقد يؤدي تطبيع العنف إلى شعور زائف بالأمان، حيث يشعر الأفراد بأن البقاء بالقرب من الأحداث لمشاهدتها أمر مقبول».
وعن النظرة إلى هذه السلوكية بصفتها بطولة، قالت «بالنسبة إلى البعض، يمكن أن تؤدي تجربة الخطر من مسافة آمنة إلى إثارة شعور بالحماسة، وقد يعتبر هذا السلوك المتهور وسيلة للشعور بالحياة في دون خوف، وقد يشعر بعض الأفراد بالبطولة من خلال توثيق الحرب، فتتعزز ربما هويتهم كأشخاص «موجودين على الارض» ويساهمون في السجل التاريخي، مما يطغى أحيانا على غريزتهم في الحفاظ على الذات. كما أنه في مناطق الحروب، غالبا ما يسعى الأفراد إلى التضامن مع الآخرين، وبالتالي فإن الوقوف معا لمشاهدة التجارب المشتركة يمكن أن يعزز الإحساس بالمجتمع، حتى في مواجهة الخطر. وعندما يقف الناس كمجموعات، قد يكون هناك ميل للتقليد أو التأثر بسلوك الآخرين. وإذا قررت كتلة من الأفراد البقاء والمشاهدة، قد يتبعهم الآخرون، شعورا بالأمان في الأعداد أو تأثرا بسلوك الأقران».
وعن عدم التقدير للمخاطر الشخصية، قالت سماحة إن «كثيرين يعتقدون أن الأشياء السيئة تحدث للآخرين فقط وليس لهم، ما يؤدي إلى تقليل تقديرهم للمخاطر الشخصية، وهذا التحيز التفاؤلي يمكن أن يشجع الأفراد على المشاركة في سلوكيات مليئة بالمخاطر، مثل الاقتراب من الخطر بدلا من الهروب».