رغم أن البطاطا لفتت انتباه الفرنسيين أولا لكنها ظلت لسنوات طويلة موضع شك بالنسبة لهم، وحتى عام 1772م كانت فرنسا تعتبر البطاطا شيئا ساما وغير صالح للاستهلاك الآدمي، واستخدمته كعلف للخنازير.
وخلال مايعرف بحرب السنوات السبع (1756 - 1763)، أسر الصيدلي الفرنسي أنطوان بارمنتييه من قبل الدولة البروسية حيث كان يعمل صيدليا في الجيش الفرنسي، وخلال فترة السجن التي قضاها كان مجبرا على تناول البطاطا التي كان يقدمها البروسيون، رغم أنها كانت معروفة لدى الفرنسيين بأنها غير صالحة للاستهلاك البشري وأنها مصدر محتمل للأمراض.
ولدى عودته إلى باريس عام 1763م تابع دراساته الرائدة في الكيمياء الغذائية، واكتشف أن البطاطا مغذية وآمنة، فبدأ حملته التوعوية التي حاول فيها تغيير نظرة المجتمع للبطاطا، حيث اقترح بارمنتييه إقامة جائزة من أكاديمية بيزنسون لتحفيز وتشجيع البحث في البدائل الغذائية، وفاز بالجائزة عن (استخدام الباطاطا كمصدر غذائي لمرضى الزحار).
استخدم أساليب معينة مثل: إنشاء حديقة محمية لإغراء الناس بسرقة البطاطا، وقدم البطاطا إلى شخصيات مهمة مثل (بنيامين فرانكلين) ووزع زهور البطاطا على العائلة المالكة الفرنسية، ويقال إن الملك لويس السادس عشر وضع زهرة البطاطا في عروة سترته، بينما وضعت الملكة ماري انطوانيت زهرة البطاطا الجميلة في شعرها، ما جعل البطاطا تلفت الانتباه.
بسبب جهود الصيدلي بارمنتييه أعلنت كلية الطب عام 1772م أن البطاطا صالحة للأكل، وفي عام 1800 عينه نابليون بونابرت كأول صيدلي عسكري، خلفا للجنرال بيرباين.
ترتبط قصة الصيدلي الفرنسي بارمنتييه ولوحة الرسام العبقري فان جوخ بموضوع البطاطا لكن من سياق مختلف، ويمكننا أن نرى توازنا بينهما من حيث تاريخهما ودورهما في التعبير عن واقع اجتماعي معين.
وتعد لوحة «اكلوا البطاطا» التي رسمها فان جوخ عام 1885واحدة من أشهر لوحاته التي تعكس الواقع الاجتماعي. وهي تصور مجموعة من الفلاحين مجتمعين حول طاولة بسيطة يأكلون البطاطا في مشهد مظلم وواقعي يعكس حياتهم البسيطة والصعبة.
البطاطا في كلتا القصتين تمثل العنصر الغذائي الأساسي الذي يربط الفقراء بوسائل العيش. بارمنتييه كان يحاول رفع قيمة البطاطا كغذاء للبشر في المجتمع الأوروبي، في حين أن فان جوخ بعد قرن من الزمن تقريبا جسد دور البطاطا كغذاء رئيسي للفلاحين الفقراء بلوحته.
على الرغم من أن الصيدلي بارمنتييه والفنان فان جوخ عاشا في أوقات وسياقات مختلفة فإن كلا منهما قدم البطاطا بطرق مختلفة تماما، بارمنتييه رأى فيها فرصة للتغيير الإيجابي والتغلب على الجوع، بينما صورها فان جوخ كرمز لحياة الفقر والتقشف بلوحته الشهيرة «اكلوا البطاطا».