ليس من السهل الدخول في علاقة صداقة أو حب، بل إن من أعقد الأشياء في هذا العالم هو العلاقات البشرية الخاضعة لتقلبات المزاج والتغيرات الطارئة. اليوم يحيط بك الأصدقاء من كل حدب وصوب، وغدا تجد نفسك وحيدا بعد أن تكتشف زيف أغلبهم. في الماضي كنت تحيا في ربوع علاقة حب أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، والآن لم يبق من هذه الصلة الإنسانية سوى ذكريات رحيل الطرف الآخر أو غدره أو خيانته، أو فراقكما بالاتفاق المتبادل بعدما حاولتما جاهدين إنجاح علاقة لم يكتب لها النجاح برغم كل المحاولات المستمرة.
لا شيء مضمونا في عالم البشر، فكما أن هناك فصولا أربعة، وأحداثا حياتية مختلفة كل يوم، وصراعات جديدة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما شاكلها، هناك أيضا تبدل في المشاعر الإنسانية وشكل العلاقات يتماشى من الطبيعة البشرية التي لا تبقى على حال ثابت.
ليس هذا فحسب، فربما تكون من بين تلك الفئة النادرة من البشر ممن يخلصون للصديق أو الشريك مدى العمر مهما حصل، فيضعون ثقتهم التامة عند من يبادلونهم مشاعر المحبة، دون أن تشك للحظة واحدة بأنك تتعرض للخداع أو تعيش وهما خلقه عقلك، بينما الطرف الثاني لا يشعر تجاهك بالأحاسيس نفسها. وهنا أيضا لم تدرك أنه لا ضامن أن تبقى مشاعر الآخر متقدة تجاهك مع مرور، ولا ضامن حتى أن يكون الصديق أو الشريك يكن لك ذات القدر من المشاعر.
كل يوم نسمع عن قصص الهجران والتخلي. كل يوم يغدر صديق بشخص شاركه سنوات طويلة في الدراسة والحياة العملية. كل يوم نشهد سقوط علاقات كنا نظنها أشبه بأفلام هوليوود وديزني لاند. وكل يوم تتكشف أمام ناظرينا حقيقة من نظن أنهم يعيشون حياة مثالية مليئة بالحب الوردي الجميل الذي لا يعطى إلا لأصحاب الحظ السعيد ممن يملكون المال أو الجمال أو الشخصية الجذابة.
ومع ذلك لا يتعلم إلا القليل من البشر حقيقة أنه يجب ألا يكون المرء كتابا مفتوحا بالكامل حتى لأقرب الناس إليه. لا ينبغي أن تعطي مفاتيح قلبك كلها لأي مخلوق على وجه الأرض حتى لو كان شريك الحياة، لأنك إن فعلت ذلك فقد تخسر الكثير، وتصبح مكشوفا بشكل يدعو للاستغلال أو الانتقاص من قدرك.
احتفظ دوما بجزء من ذاتك لنفسك. لا تمنح الآخرين حق الوصول إلى كل ملفات الذاكرة، وتلافيف العقل. أما الثقة بالآخرين فيجب ألا تعطى جزافا، ولا أن تكون مطلقة.
الناس ليسوا ملائكة ولا شياطين، وبالتالي يجب ألا نثق بهم ثقة عمياء، ولا أن نعيش حياتنا بأكملها دون أن نثق بأحد، كمن يحيا في منفى بعيدا عن بني البشر. الوسطية في الأشياء هي الحل، فإذا وثقت بصديق احسب خط الرجعة، وإذا أحببت شخصا فلا تغال في حبك فربما يصبح عدوك يوما أو يرحل عنك إلى الأبد، بهذه الطريقة تحمي نفسك من الصدمات العاطفية والانهيارات العصبية.
يخطئ الكثيرون عندما يقدمون كل شيء لديهم على طبق من ذهب لمن يحبونهم، ثم يفاجأون عندما يتم الغدر بهم أو خيانتهم، على اعتبار أن الطرف الآخر يستحيل أن يفعل ذلك. علاقات لا تعد ولا تحصى، استيقظ أصحابها مصدومين بعدما رحل الشريك دون سابق إنذار أو لأسباب واهية. وعود مخملية، وعهود تشعر وكأنها مختومة بماء الذهب، وبعد ذلك رحيل أو خيانة أو طعنة في الظهر.
برغم ذلك كله، هناك دوما من يخلص إذا أحب، فأرجو أن تكون من أصحاب الحظ السعيد بعثورك على الشخص المناسب، لكن حتى لو عثرت على شخص تظنه مناسبا، إياك ثم إياك أن تبصم له بأصابعك العشرة، بل اترك إصبعا واحدة على الأقل، فلربما تحتاج إليه ذات يوم لتعضه ندما على الثقة التي منحتها، والحب الذي وهبته، والتضحية التي بذلتها من أجل شخص لا يستحق منك كل ذلك.
hamadaltamimiii@