تحتدم في مجتمعاتنا معركة خفية تهدد أركان الأسرة، معركة تخوضها بعض المطلقات بسلاح الدعاوى الكيدية، فبين جدران المحاكم تتكشف قصص مؤلمة لأسر تمزقت بسبب ادعاءات باطلة وأهداف بعيدة عن الدين والقيم، الكثير من الأزواج وجدوا أنفسهم أمام هذا البلاء وتلك التحديات من زوجاتهم السابقات، فبعد أن تتورم الأرجل في دهاليز محكمة الأسرة بدرجاتها المتفاوتة يكتشف القضاة براءة الكثير من هؤلاء الأزواج المطلقين، ثم تحفظ القضية، وتذهب المطلقة في حال سبيلها وتعود إلى بيتها دون أن تنال جزاءها.
هذه الظاهرة ليست مجرد خلافات زوجية عابرة، بل هي آفة اجتماعية تتطلب وقفة جادة ومحاسبة صارمة، فنحن أمام انتشار متزايد للدعاوى الكيدية من بعض المطلقات، اللواتي قد يجهلن آثارها المدمرة على أسرهن ومجتمعهن، مما يستدعي وضع حد لهذه الآفة.
الدعوى الكيدية تعرف بأنها كل دعوى يثبت أنها مبنية على ادعاءات كاذبة أو مبالغ فيها، ولا تهدف إلى تحقيق الحق وإنما إلى الإضرار بالخصم، وان ما يدفع بعض السيدات المطلقات أو حتى الأزواج المطلقين للجوء إلى الدعاوى الكيدية دوافع متنوعة، فمنها الرغبة في الانتقام، واستغلال ثغرات في مواد القانون لتحقيق تعويضات مالية أو مكاسب مادية، وقد تلجأ بعض النساء إلى رفع دعاوى الكيد والكذب للحصول على أكبر قدر من المال، أو من أجل الضغط النفسي على الطرف الآخر وتشويه سمعته، وقد تتحول هذه الدعاوى إلى سلاح فتاك يدمر حياة الأبرياء، ويترك آثارا نفسية واجتماعية عميقة.
إن هذه الظاهرة لا تمثل تهديدا للأفراد فحسب، بل تمس بنيان المجتمع ككل، فهي تزرع الشكوك والفتن بين أفراد الأسرة، وتضعف الثقة في الإجراءات القضائية، وتشجع على ثقافة العنف والانتقام، ولأن سيف الدعاوى الكيدية مسلول على الكثير من أبناء مجتمعنا، فإني أرفع نداء عاجلا لإصلاح هذا الخلل، ولتقليل الآثار النفسية على المتضررين من الادعاءات الكاذبة والحفاظ على نعمة المال التي تهدر بين أروقة المحاكم ومكاتب المحاماة.
ولذا فإني أدعو إلى إعادة النظر في المواد القانونية الحالية المتعلقة بالأحوال الشخصية ومحكمة الأسرة، وتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الدعاوى الكيدية، لا فرق في هذا بين الزوجات والأزواج، وتحديد آليات واضحة لإثبات كيدية أي دعوى، وتشديد شروط قبول الدعاوى وتعديل قوانين الإثبات لتكون عملية إثبات الادعاءات أكثر صرامة.
في الوقت نفسه، لا بد من تطوير برامج التأهيل للمقبلين على الزواج، وكذلك الذين يريدون الانفصال في علاقتهم، لمساعدتهم على بناء علاقات زوجية ناجحة، أو توعيتهم بالخروج من هذا الرباط العظيم بأقل الخسائر وبسمو في الأخلاق وأثر إيجابي على الأولاد.
كما يفترض في هذا السياق تنظيم حملات توعوية واسعة النطاق حول أضرار الدعاوى الكيدية، وتشجيع الحوار والتسامح بين أفراد الأسرة، والتذكير بما ورد في ديننا في هذا الخصوص، ومن ذلك قول الله سبحانه: (ولا تنسوا الفضل بينكم).
إن حماية الأسرة الكويتية مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع، فمن خلال تضافر الجهود وتعديل التشريعات يمكننا بناء مجتمع أكثر استقرارا وأمانا للأجيال القادمة، كما يجب علينا جميعا أن نعمل على نشر الوعي بأهمية الأسرة، وتشديد العقوبات على كل من يحاول زعزعة استقرارها.
كلمة أخيرة: الدعاوى الكيدية بين المطلقين والمطلقات ومرافعات الزور في المحاكم إنما هي سلاح ذو حدين في الصراعات الأسرية، سيقطف الجميع شوكها ويقاسون مرها ويعيشون جحيمها، وما أعمق المعاناة التي يحصدها الأبناء من استمرار الصراع بين الآباء والأمهات، العواقب وخيمة على شخصياتهم وعلى سلوكياتهم ومسارات حياتهم فرفقا بهم ورفقا بأنفسنا.