أصدرت المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة (التي يشار إليها اختصار بـ EFQM) الإصدار المحدث من نموذجها للتميز المؤسسي والذي ستعتمده بداية من العام 2025، وقد ركزت فيه على بعض النقاط المهمة المتعلقة بالاستدامة، والتي سنشير إلى بعضها بصورة سريعة في هذه السطور..
والبداية في الإصدار ذي الدلالة على التركيز على موضوع الاستدامة، إذ عنونت EFQM نبذة الإصدار بعبارة «قيادة الأداء المستدام معا»، وهذه العبارة تعني من ضمن ما تعني أن هذا النموذج لا يستهدف جودة الأداء فحسب بل يركز على الالتزام بـ«مستقبل مستدام للجميع» و«تحقيق تأثير دائم، وبناء مستقبل أكثر استدامة».
ولا نبالغ إذ نقول: إن موضوع الاستدامة ومتطلباتها، والتوجه المؤسسي نحو الاهتمام بها وتفعيلها يعد أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت EFQM إلى تحديث النموذج، إذ «أصبح تحسين الأداء المستدام الآن في قلب نموذج EFQM، فالقيمة المستدامة تعني ضمان جدوى المؤسسة على المدى الطويل واستمرار الأداء المرتفع. وهذه الاستمرارية (الاستدامة) هي جوهر محاور التوجه والتنفيذ والنتائج»، ولهذا لاحظنا أن النموذج في معاييره وتناوله ركز وصرح بوجوب أن يكون هناك «ضمان أن تكون الاستدامة البيئية والاجتماعية محور تركيز أساسي» في الأداء المؤسسي.
بل إن هذا الإصدار وإدراكا منه لأهمية الاستدامة وكونها أصبحت أحد الشواغل المهمة للمؤسسات أشار إلى أن أحد استخدامات نموذج EFQM هو «إنشاء وتحسين خطط الاستدامة الخاصة بك»، حيث يساعد النموذج «في إنشاء تقرير الاستدامة، ووضع خطط للتغيير والتحسين».
ويمكننا أن نشير إلى بعض النقاط السريعة التي تدل على أن أمر الاستدامة صار في صلب نموذج EFQM، فمن ذلك مثلا أن النموذج أضاف قيمة وبعد الاستدامة كبعد منصوص عليه صراحة لا ضمنا كإحدى «4 فئات ينبغي قياس الأداء الإستراتيجي والتشغيلي من خلالها»، وحدد النموذج بصورة صريحة ما يعنيه من هذا البعد فذكر أن طموحات الاستدامة المقصودة للمؤسسة هي: «الحد من الكربون والحياد (يقصد الحياد الكربوني)، استهلاك الموارد الطبيعية، انبعاثات النطاق 1 والنطاق 2 والنطاق 3، معدل دوران العمل في الشركات التي تعتمد على الاستدامة، سلسلة التوريد والمصادر المسؤولة والمشتريات المستدامة، التقدم المحرز في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الالتزام بالاقتصاد الدائري، استدامة الائتمان والتمويل، التنوع والشمول والمساواة».
ومن ذلك أيضا أن تصميم وبناء القيمة في أي مؤسسة وفي تنفيذ عملياتها وبرامجها وإنتاج منتجاتها أو خدماتها ينبغي أن يعكس ويدمج «المتطلبات المتعلقة بالاستدامة الاجتماعية والبيئية». وكذلك النص على أن إحدى ركائز قياس التوجه السليم لأي منظمة أو مؤسسة وتطوير وتكييف إستراتيجيتها ينبغي أن يعكس الالتزام بمتطلبات «أفضل الممارسات والتوجيهات البيئية والاجتماعية والمتعلقة بالاستدامة والحوكمة»، كما نصت على أن إحدى ركائز المساهمة في تنمية المجتمع ورفاهيته هي «تكون الاستدامة في صميم سلوكيات (المنظمة) وثقافتها وممارساتها وعملياتها»، والنص على أن إحدى ركائز قياس جودة التنفيذ في أي مؤسسة هي «إشراك والتعاون مع المعنيين الرئيسيين بمصالح الأعمال والحوكمة لدعم التحول وتعزيز الاستدامة».
ونكتفي بهذا.. ولا ننسى أن نذكر هنا أخيرا أن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة كانت من معتمدات وركائز بناء النموذج من الأصل.
والخلاصة التي نريدها من هذا المقال هي أن التعامل مع قضية الاستدامة لم يعد هامشيا أو يأتي ضمنا في ثنايا الأطر التنظيمية أو التخطيطية في المؤسسات بل أصبح في صلب دائرة بناء المؤسسة وتوجهها، وأصبح أحد أطر تقييمها والنظر إليها وإلى مستقبلها وجودة أدائها وتميزها.