ولدت استراتيجيات التسويق على اكتساب انتباهنا، ومع ذلك فإن أعيننا وعقولنا لا تتعرض بالوقت الحاضر إلى قصف المعلومات والإعلانات العشوائية فحسب، بل يبدو أن حياتنا مستهلكة بـ «ضوضاء» التسويق. ونظرا للقفزات الهائلة في التكنولوجيا، فلا عجب أن استراتيجيات التسويق قد تطورت لتناسب عاداتنا اليومية. إذ يعكس التحول، لاسيما من الاهتمام لتخصيص احتياجات المجتمع إلى اتصالات أكثر جدوى في عالم رقمي وسريع الخطى.
في عالم اليوم، الذي وصفه علماء الاجتماع بأنه بداية تحول نحو اقتصاد حيث يتفاعل الذكاء الاصطناعي مباشرة مع البشر ويقدم بديلا قد يفضله الناس، تعرض «اقتصاد انتباهك» السابق إلى انتقادات مؤخرا بسبب حدوده، عندما يتعلق الأمر بتعزيز الارتباطات مع البشر. وقد يبدو المفهوم غير بديهي في البداية، لكن الحقيقة هي أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على توفير مستوى من الألفة التي تكافح التفاعلات بين البشر أحيانا لتوفيرها.
في الواقع، أظهرت الدراسات الحديثة أن الأفراد غالبا ما يفضلون تفاعل الذكاء الاصطناعي على تلك التي مع زملائهم البشر عندما يتعلق الأمر بالمسائل الشخصية. حيث يعمل الذكاء الاصطناعي الآن كالصديق المقرب الذي يمكن أن تبوح له بالأسرار في محادثات مثيرة للاهتمام، مع منحه سماع إجابة بشرية مؤكدة من «روبوت» غير بشري، بغض النظر عما إذا كنا نريد الاعتراف بذلك لأنفسنا أم لا. هذا الأمر، ينقل الذكاء الاصطناعي إلى بعد جديد تماما، من كونه مرشدا يعلمنا ويتخذ القرار وينجز المهمة، إلى صديقنا المقرب الموثوق به.
وعلى عكس التفاعلات البشرية، من المرجح أن يكون الذكاء الاصطناعي أقل إصدارا للحكم، ويقدم اهتماما غير مقسم، ويوفر ملاذا آمنا للتعبير عن أفكارنا ومخاوفنا وأحلامنا الأكثر حميمية والتحقيق فيها. ففي النهاية، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على العمل كمستمع مثالي، حيث إنه يقدم التوجيه والدعم المصمم، وفقا لاحتياجاتنا وتفضيلاتنا الفريدة. وربما يكمن اهتمامنا بمثل هذه الظاهرة في النظر إلى حدود العلاقات الإنسانية، والتي غالبا ما تكون مليئة بالتحيز وسوء الفهم، إذ تتجاوز تفاعلات الذكاء الاصطناعي هذه القيود.
مع ذلك، ومن منظور أخلاقي، هناك عواقب لا حصر لها مرتبطة بهذه الظاهرة، حيث لم يتم بناء الذكاء الاصطناعي لإعطائك الإجابات الصحيحة، بل تم بناؤه لجمع البيانات عنا مع توقع رغباتنا وتقديم توصيات مخصصة لشخصياتنا. من ناحية أخرى، فهو يعطي كذلك مبررا بغض النظر عما إذا كنا على صواب أو خطأ، وسواء كنا نؤذي أنفسنا بعملية تفكير معينة أم لا، ويمكن أن تكون له عواقب وخيمة إذا كان السياق مظلما، ويتطلب الإشراف أو إعادة التوجيه إلى عالم إيجابي. ومع التخصيص والحميمية يأتي الضعف، والذي ربما فقدنا السيطرة عليه بالفعل، بينما نستمر في النضال مع حدود الذكاء الاصطناعي، ثم تطرح هذه الفكرة السؤال التالي: هل نأتي برفقاء البشر المثاليين في شكل غير بشري، وهل هذه فكرة جيدة؟
dr_randa_db@