تشير الأبحاث إلى أننا نفكر في المتوسط ما بين 60.000 و80.000 فكرة كل يوم، وأن معظم هذه الأفكار تتسم بالتوجه السلبي، إذ يبدو أن العقل البشري يميل إلى رؤية الجوانب المظلمة في الحياة، واختراع السيناريوهات غير المستحبة، ما لم يتحكم فيه الإنسان ويوجهه لخدمة أغراضه، بدلا من أن يكون عبدا له.
في كتاب «قوة الآن» لصاحبه «إكهارت تول»، يخبرنا المؤلف بأننا في العادة لا ندرك أنه يتم توجيهنا من قبل العقل دون أن ندري. نحس أننا نحن المتحكمون إلا أننا في الواقع نقع تحت سيطرة أفكار ومفاهيم تسطر حياتنا وترسم حدود تصرفاتنا. وما لم نتنبه لهذا الأمر، فإننا سنظل عبيدا لعقولنا بدلا من أن نكون أسيادا عليها.
في أي مكان وزمان، يمكنك أن تتبع سير الناجحين والفاشلين على حد سواء، وتقف عند الأسباب الكامنة وراء الفشل والنجاح. وبقليل من الاطلاع والتفكر ستجد أن الأفكار تلعب دورا كبيرا في حياة الإنسان، ويمكن بفضلها التنبؤ بنجاحه أو فشله.
يلاحظ مرارا وتكرارا قدرة الناجحين على التحكم في عقولهم واستثمارها بما يخدم أغراضهم الشخصية. إنهم لا يدعون الأفكار تتحكم بهم وتوجه تصرفاتهم كما يفعل الآخرون، بل يوجهون أفكارهم في الاتجاه الذي يريدونه، في الاتجاه الذي يدعم طريقهم إلى حيث يطمحون، لأنهم يدركون جيدا أن ما يفكر فيه المرء يتحول إلى مشاعر، وأن المشاعر تتحول إلى قرارات وتصرفات، والقرارات والتصرفات هي التي تحدد مصير الإنسان وتبني مستقبله.
يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن التغيير يأتي من الخارج، بينما التغيير الحقيقي ينبع من داخل المرء، وبناء عليه يمكن تغيير واقعه. إن عالمك الداخلي هو الذي يصوغ عالمك الخارجي ويعكس ما يجري في واقعك. إذا كنت قويا متماسكا من الداخل، ولديك قدرة كبيرة على ضبط النفس والتحكم في عقلك وأفكارك، فعندها ستكون حياتك أكثر تماسكا ونجاحا، والعكس صحيح، إذ يلاحظ لدى الفاشلين التخبط، وضعف القدرة على ضبط النفس، إلى جانب شيء أكثر أهمية، ألا وهو عجزهم عن التحكم في عقولهم وما تنتجه من أفكار.
إن عقلك أشبه ببستان وأنت المزارع، بوسعك أن تزرع جنباته ببذور الورد، التي تتعهدها بالرعاية، إلى أن تكبر وتغدو ورودا جميلة تفوح منها الروائح العطرة، فيزدان واقعك باللحظات الجميلة، أو يمكنك بوعي أو دون وعي أن تزرعه بالأشواك المسمومة، وتتعهدها بالعناية من خلال تعزيز الأفكار السلبية على الدوام والوقوع في شرك السيناريوهات السوداوية المضللة، لتستيقظ ذات يوم وقد صار واقعك عالما من الأحداث المؤلمة التي تعتقد أنها وليدة الصدفة أو الحظ العاثر، بينما معظمها وليد تقصيرك تجاه بستان عقلك الداخلي.
إن من سنن الكون الثابتة، أن ما تزرعه تحصد نتاجه في نهاية المطاف. إذا زرعت عقلك بالأفكار الإيجابية الداعمة، فستحصد نتائج رائعة في حياتك على الصعيدين الشخصي والمهني. وإذا زرعته بالأفكار المدمرة، فلن تجني سوى حياة مليئة بالمواقف التعيسة والأحداث غير السارة.
باختصار شديد، إن عالمك الخارجي هو انعكاس لعالمك الداخلي. لهذا فإن استثمار العقل هو أفضل استثمار على الإطلاق. إذا أردت النجاح أو الثراء أو الحب أو الصداقة أو أي شيء في هذا العالم، فنقطة البداية هي عقلك الداخلي. بقدر ما تعتني ببستان هذا العقل، بقدر ما تحصد ثمارا يانعة في واقعك.
فابدأ بمراقبة أفكارك، واسع جاهدا إلى التخلص من أي فكرة سلبية، واغرز أفكارا إيجابية بدلا منها. ازرع بستان عقلك بأزاهير الأفكار المحفزة، واقتلع أشواك الأفكار المسمومة من الجذور ثم ارمها في صندوق النفايات إلى الأبد. حياتك تبدأ من داخلك، فاستثمر عقلك بما يخدم أهدافك، وعش الحياة التي لطالما حلمت بها.
Instagram: @hamadaltamimiii