الكاتب «ستندال» مات وحيدا بفرنسا في العام 1842، مجهولا يكاد لا يعرفه أحد، كان كاتبا قاسيا مؤمنا بأفكاره ومعتقداته، لدرجة أنه رفض رفضا قاطعا حذف إحدى فقرات كتابه «عن الحب» مبررا ذلك بأنه لم يخش حتى النواب العامين، فلماذا سيخاف من أحد دونهم؟
الكاتب إما أن يكون مرتزقا مأمورا وقاتلا أجيرا، وإما أن يكون حرا طليقا وصاحب لسان سليط «بالحق»، الكاتب مادة خام طرية تتشكل عبر الزمن، فالمواقف تصقله، والأحداث تبرزه، والنوازل تزلزله، الكاتب رقيق القلب، مرهف الإحساس، فائض المشاعر، سريع الدمعة، يتأثر بكلمة، وينساق خلف جملة.
الكاتب هو من يفسح المجال لغيره لكي يتملكه ويقوده وبعد ذلك تجده ينصاع لأوامر تسلط، ولأقوال تفرض، ولكتابات يجبر عليها.
الكاتب ابن بيئته، فإذا عاش بغنى مطغ تجد كتاباته تدور حول الرفاهية وما يعترى مجتمع الطبقات العليا من الأفراح والأتراح، وإذا عاش بفقر مدقع تجد كتاباته تدور حول شظف العيش وما يعتري الطبقة الدنيا من السعادة والتعاسة.
حياة الكاتب ليست سهلة، فهو يدخل الكثير من المعلومات المكتوبة والمسموعة، والخبرات المنقولة والمرئية إلى عقله، لكي يخرجها على هيئة كلام مسطور مرتب، مصاغ بحرفة صانع، ومهارة مهندس، ومشرط دكتور، فالكاتب كالصانع ببناء جمله، وكالمهندس بزخرفة كلامه، وكالطبيب في غرفة الإنعاش.
تعتري مهنة الكتابة ما تعتري بقية المهن، فالكاتب قد يصاب بالملل، والضجر، والسآمة، كما قد يصاب بالاكتئاب، والخور، والضعف، الكاتب يفرح بالمديح كما يحزن بالتجريح، ويفرح بالكلام المعسول كما يحزن على الكلام المرذول، الكاتب مشاعره جمل مصفوفة، وأحاسيسه كلمات مرصوفة، الكاتب سلاحه القلم، ودرعه الورق، وسنده الكتب، وملاذه المكتبة التي قضى فيها أغلب لحظات حياته.
الكاتب الحقيقي يعلم أن التقدير ينال ولا يفرض، وأن القبول قد يأتي بعد ولادة عسيرة، وأن المديح الآني يختلف عن المديح الأبدي، وأن الرزق ليس بالضرورة ببطون الكتب، وأن الانتشار ليس له خلطة واضحة، وأن المطلوب السعي، وأن الوصول قد يكون أقرب من شراك النعل، وأن الاستمتاع بالرحلة هو المطلوب.
[email protected]