في السنوات الأخيرة أصبح البودكاست أشبه بـ «الموضة الرقمية» التي ارتداها الكثير، بغض النظر عما إذا كانت تناسبهم أم لا. تفتح أي تطبيق أو منصة تجد نفسك أمام طوفان من الحوارات التي تناقش كل شيء، من أسرار النجاح إلى كيفية التعامل مع القطط العنيدة! وبينما يبدو هذا التنوع مغريا، فإنه أحيانا يذكرك بتلك «القعدات العائلية» الكبيرة: الكل يتحدث في الوقت نفسه، والنتيجة؟ لا تعرف من تسمع وماذا تركز عليه!
البودكاست أتاح فرصة ذهبية للأفراد للتعبير عن شغفهم وآرائهم، فهو منصة غير مكلفة، سهلت للكثيرين بمشاركتنا اهتماماتهم، سواء كانت في الأدب، الرياضة، أو حتى «أسرار صنع الحلوى البحرينية». إضافة إلى ذلك، كسر البودكاست الحواجز التي كانت تفرضها عليهم وسائل الإعلام التقليدية، ما جعله أداة مثالية لتقديم محتوى مبتكر وغير مألوف.
والجماهير أيضا استفادت من هذا التنوع، حيث صار البودكاست مصدرا تعليميا وتثقيفيا يصل بيسر إلى الجميع، مع توفيره مساحة أعمق للنقاشات مقارنة بالإعلام التقليدي، هيأته أحيانا ليكون منصة مفتوحة للنقاشات الشاملة والجريئة.
لكن كما يقال «كثرة الطباخين تفسد الطعام»، فالزيادة المفرطة في أعداد البودكاستات أدت إلى ظهور الكثير من المحتوى المتواضع أو غير المفيد. حث بدت بعض البودكاستات أشبه بجلسة ثرثرة عابرة بلا هدف، وكأن أحدهم قرر فتح الميكروفون فقط ليقول: «شباب، شوفوا، عندي بودكاست»!
هذا الإغراق جعل من الصعب على العديد من المستمعين التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ، مما أدى إلى شعور بالإرهاق. والمشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، فقلة التنظيم وغياب المعايير المهنية سمحا بانتشار معلومات مغلوطة، والأسوأ هو ظهور «خبراء» يناقشون قضايا علمية أو اجتماعية بثقة زائفة، بينما معرفتهم لا تتجاوز وصفة «إندومي» سريعة التحضير!
وبينما يمكننا أن نحتفي بالتنوع والإبداع الذي جلبه البودكاست، فمن الضروري أن يتم استغلال هذه المنصة بمسؤولية. يجب على صناع البودكاست أن يضعوا معايير لجودة المحتوى ويبحثوا عن إضافة قيمة حقيقية لجمهورهم ذات محتوى جاد ومعد بعناية. في المقابل، يجب على المستمعين أن ينتقوا بعناية ما يستمعون إليه، وأن يدعموا الإنتاج الذي يلتزم بالمهنية والابتكار.
ختاما، لا بأس أن نكون «تبودكستنا وقعدنا!»، فالبودكاست يظل وسيلة رائعة إذا استغل بذكاء. لكن دعونا نركز على التوازن بين الإبداع والإثراء والتطوير، بعيدا عن تحويله إلى مجرد ضجيج رقمي وتسلية بلا مضمون.
[email protected]