- العقيلي: بسوء الظن نفوس تتحطم وبيوت تتهدم وأسر تتشرد ومجتمعات تتردى
- الربيع: على المسلم أن يحفظ لسانه ويحسن الظن بالناس ولا يوزع الاتهامات جزافاً
- الياقوت: العلاج من خلال التربية السليمة مع ضرورة وجود ثقافة شرعية صحيحة
سوء الظن من الأمراض الأخلاقية الخطرة التي تؤدي إلى الفرقة بين أفراد الأسرة وتزيل الثقة بين الناس، فعاقبته وآثاره سيئة على الفرد والمجتمع، ومتى انتشر في أي مجتمع وجدت الفتنة وأدى إلى الصراع الاجتماعي.
يحذر الداعية يحيى العقيلي من الظن ويقول عنه: الظن مزلق خطير ومن أوسع أبواب الاغواء الشيطاني واخطر مداخل الاضلال الابيلسي، أورد الفجار المهالك وتسبب لبعض المؤمنين بفقدان اليقين والاطمئنان في أدب المؤمن مع ربه وعلاقته مع اخوانه المسلمين. فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ظن السوء بقوله: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»، والشيطان له من الظن السيئ غوايتان، سوء الظن بالله وسوء الظن بالمؤمنين، أما سوء الظن بالله فهو أن ينسب المرء إلى ربه ما لا يليق به، او يصفه بما هو منزه عنه، او يتعلق بغيره توكلا واعتمادا مطلقا، او يقنط من رحمة الله وييأس او يتمادى في فجوره ظنا بأن الله تعالى لن يحاسبه أو أن الله لن يغفر له، وهذا الظن السيئ بالله هو الذي أورد أولئك المهالك، ووبخهم الله عليه فقال تعالى: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)، ومن ذلك في حق المؤمنين من يظن أن الله لا ينصر أولياءه ولن ينصر دينه ولن ينزل عقوبته على الظلمة والطغاة او انه يساوي بين الصالحين من عباده والفجار.
إثم مبين
وقال العقيلي عن سوء الظن بعباد الله إنه إثم مبين وذنب عظيم وتقطيع لأواصر المودة والألفة بين المؤمنين، نهانا الله عنه بقوله: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم).
وزاد: ومن أعظم حوادث سوء الظن ما كان من حديث الإفك للطاهرة المطهرة عائشة - رضي الله عنها - الصديقة بنت الصديق حين اطلق المنافقون مقالة السوء في عرضها واتهموها بما برأها الله تعالى منه، وكانت محنة عظيمة هلك فيها من هلك ونجا من نجا، وشتان ما بين الفريقين. أما من خاض في الإفك فقد توعده الله جل جلاله: (إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم).
أما من عصمه الله وعف وكف واحسن الظن فقد نجا، وامتدحه الله تعالى فقال سبحانه: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا».
ولفت الى انه بسوء الظن وقبول الاتهامات واحاديث الإفك نفوس تتحطم وبيوت تتهدم وأسر تتشرد وصلات تتقطع وأعراض تتهم وصور مضيئة تشوه ومجتمعات تتردى، وانه من عجيب أمر البشر إلا من رحم الله ان النفوس تتقبل سريعا مقالة السوء وأحاديث الإفك وتتردد في قبول اقوال البراءة والسلامة. فعلى عباد الله ان يحسنوا الظن بالله إيمانا وإحسانا ويقينا وان يحسنوا الظن بإخوانهم لتسلم قلوبهم وتشفى صدورهم ويرضون ربهم.
البينة على المدعي
من جهته، يقول د.وليد الربيع: يتساهل بعض الناس في القاء التهم على الآخرين وقذف الناس بالمزاعم والظنون من غير نظر إلى أدلتها وبراهينها ليعلم صدقها أو كذبها، ومع الأسف نجد كثيرا من مجالس الناس اليوم تدور حول هذه الموضوعات بمثل هذه العقليات. فتعميم سوء الظن بالمجتمع مذموم شرعا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم»، واتفق العلماء على أن هذا الذم إنما هو فيمن قاله على سبيل الازدراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح احوالهم لأنه لا يعلم سر الله في خلقه.
فعلى المسلم ان يحفظ لسانه ويحسن الظن بالناس ويحمل امورهم على أحسن الاحوال ولا ينساق خلف الاهواء الزائفة والتهم الباطلة ويوزع الاتهامات جزافا، فمن ادعى امرا فعليه ان يقيم البينة او يتوقع عاقبة الغيبة والبهتان، وليعلم ان الله تعالى مطلع عليه ومحاسبه على افعاله، كما قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).
وأكد ان الظن بالناس واتهامهم بغير دليل ولا برهان من الكذب والبهتان، وقد حرم الشرع الغيبة والبهتان، ومع الأسف فإن بعض الناس قد تجاوز مرحلة الظن واتهام الافراد بالسرقة والاختلاس الى توسيع دائرة الاتهام لتشمل المجتمع بأسره دون تفصيل ولا تفريق بين الصالح وغيره، فسادت ثقافة التخوين واتهام المجتمع بالسرقة والخيانة بلا دليل ولا برهان، فالأصل في الناس عنده الخيانة والسرقة، وكل من عداه فهو سارق وخائن، وكل تصرف تجربه الدول أو الافراد فالباعث عليه السرقة وأكل الاموال بغير حق.
فالواجب على المسلم ان يحفظ لسانه من الخوض في اعراض الناس واتهامهم في دينهم او ذممهم او اعراضهم لمجرد الظن دون دليل، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم) وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».
حسن التربية
وعن علاج الظن النفسي، تقول د.كوثر الياقوت يكون العلاج من خلال التربية السليمة سواء في الاسرة او المدرسة مع تأكيد ضرورة وجود ثقافة شرعية صحيحة في الجامعات لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وكذلك عودة القدوة الصالحة في البيت والمدرسة، متمثلة في الاب والام والمعلم، وفي العمل من خلال المسؤول الملتزم الذي يراعي حق الله تعالى وواجب العمل وحق الموظفين الذين يعملون تحت رئاسته، كما لوسائل الاعلام دور في توجيه وتوعية الناس الى الالتزام بالاخلاق الفاضلة التي دعت اليها جميع الاديان وعدم سوء الظن بأحد، وعلى من يتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ان يراعي حقوق الآخرين وعدم الشك وسوء الظن في كل ما يقولون ويفعلون، لأن الاصل في المجتمع الصالح ان يحسن الناس الظن بعضهم ببعض. عن جابر بن عبدالله الانصاري رضي الله عنهما انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل».
وأكدت الياقوت أن سوء الظن إذا انتشر في مجتمع وجدت الفتنة والفتنة أشد من القتل، وينعكس ذلك على الاسرة، مما يؤدي الى ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الاسري وعدم الثقة، وارتفاع معدلات الجرائم ايضا، كما نرى في وسائل الاعلام كل يوم من صور متنوعة لارتكاب الجرائم وذلك بسبب سوء الظن.