إن الهند، أمة كبيرة في حجم سكانها ومتنوعة في لغاتها وثقافاتها وأديانها وافكارها، وهي تشكل لوحة جميلة من التعايش والمحبة والحركة المستمرة في التطوير المجتمعي ونهضة الدولة عبر التاريخ رغم الصعاب، وهي متواصلة في خط النجاح، حيث تلعب دورا حيويا في الساحة العالمية بفضل عراقتها التاريخية والعصرنة الحضارية التي تنطلق منها إلى كل العالم.
من هذه المقدمة تأتي الأهمية الكبيرة للزيارة الرسمية لرئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي، حيث تكشف عن قوة العلاقات الهندية الكويتية وعمقها في الواقع وجذورها «التاريخية» «المتواصلة» و«الممتدة» زمنيا منذ القدم في شتى المجالات التجارية والمالية والسياسية والصحية والاجتماعية والسياحية والاستثمار والنقل والتعليم وتبادل الخبرات المهنية والفنية، وهي علاقات «مهمة» بدأت في أوائل القرن التاسع عشر، وازدهرت في شكل اكبر في مطلع القرن العشرين إبان حكم المغفور له الشيخ مبارك الكبير واستمرت تصاعديا في ايجابية إلى يومنا هذا، ولعل ذلك ما يوضحه ويكشفه اكثر هو حجم الجالية الهندية «التخصصية في مختلف المجالات والمهن وفروع العمل الوظيفي» المقيمة عندنا في دولة الكويت والتي تشمل كذلك العلاقات الطبية بما توفره جمهورية الهند من أطباء وكادر مساند من تمريض وفنيين في القطاع الصحي، والذين للأمانة اثبتوا كفاءتهم واخلاصهم وعمق محبتهم للكويت.
ان الزيارة التاريخية الأخيرة لرئيس وزراء الهند الصديقة «حساسة» لأنها تأتي في مرحلة خطيرة من تاريخ المنطقة، وهي الفترة الانتقالية من عالم احادي القطب لعالم متعدد الأقطاب حيث تمثل الهند أحد اهم هذه الأقطاب «الجديدة» وهي تعتبر من أسرع الاقتصاديات نموا في العالم في الفترة الأخيرة وهي عضو مهم في منظمة «البريكس» والتي انضمت اليها مؤخرا الإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران، حيث الهند تلعب دورا بارزا في التنسيق السياسي داخل المنظمة.
ولقد دعمت الهند دائما بشكل كامل توسيع عضوية «البريكس» من البلدان المختلفة، ومن هنا أهمية الزيارة الحالية والتي تعكس كذلك «بعد نظر» القيادة السياسية الكويتية في بناء وتمتين مثل هذه العلاقات وتطوير الشراكة بين البلدين، وهذا يؤكد على معرفة القيادة السياسية الكويتية على أهمية الهند في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة التي يمر بها العالم وعلى ضرورة بناء علاقات استراتيجية قوية مع اقطاب العالم الجديدة في منظومة دول «البريكس» مثل روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، مما يشكل دفعا لمشروع الكويت الاستراتيجي لإعادة دورها كـ«ميناء» للمنطقة وربط الدولة مع خطوط التجارة الدولية الجديدة التي تقيمها الصين والتي تشترك معها الجمهورية الهندية في منظمة «البريكس» كـ «شريك» و«متعاون» أساسي في الواقع العالمي الجديد القادم.
من هنا جاءت مسألة ما تمثله العلاقات بين الكويت والهند كـ«نموذج» للتعاون المثمر والشراكة الاستراتيجية، مما يمهد الطريق لمستقبل مليء بالفرص والنجاحات والتي نأمل ان تنعكس على نهضة البلدين في مختلف المجالات.