لم يقنعني رده على سؤالي عن الاسباب التي دعته الى تعاطي المخدرات، فكان رده: أبي أقتل إحساسي بالمشاكل التي كنت أعاني منها!
لم أقتنع بإجابته، حتى لو حجم هذه المشاكل التي يدعيها ـ لا تحملها البعارين، مثل ما يقولون ـ لن يكون ذلك مبررا لتعاطيه، وكمجتمع لن يقبل عذره، سألته: عندك سبب آخر لاستجابتك للدعوات الشيطانية تلك ولجوئك للمخدرات التي تجردك من كرامتك وإنسانيتك ودينك وعقيدتك وقيمك، ويدنيك لعالم الذل والهوان والانحدار بكرامتك وقدرك ومكانتك التي ارتقيت لها بفضل الله؟
يجيب: نظرة الناس لي، الذل، القهر، الهوان، الدونية، الانعزال الاجتماعي، التي تجبرني على المقارنة بالآخرين، البحث عن ذاتي المحطمة، وكذا هويتي وكياني هو الذي يذبحني في اليوم مرات ومرات عندما أشاهد زملائي وأصدقائي في المدرسة وقد تبوأوا مناصب ومراتب اجتماعية مرموقة ويشار اليوم اليهم بالبنان وأنا مازلت في وظيفة عادية أبعدتني عن ذلك البرج العاجي الذي تسلق له الكثيرون، منهم من كانوا يشحذون مني المعلومة وكنت أعلمهم وأساعدهم على الكتابة وحل المسائل الحسابية وأشرح لهم العديد من النظريات العلمية التي لم يفقهوها، فضلا عن مساعدتهم على حل واجباتهم المدرسية وأعلمهم اجابات الامتحانات التي لا يفقهونها، وآخرون من كنت أتحاشاهم من زمرة الفصل مما ضربوا لنا أمثلة بانحرافاتهم السلوكية في الفصل. يكمل: ذليت نفسي لفلان وعلان، للي يسوى واللي ما يسوى، عرضت وجهي يا دكتور لكل من يمكن له أن يعينني من بعد الله على اعتلاء مكانة مرموقة في المجتمع، كل المحاولات التي قمت بها لم تنجح.
قلت: هل هذا يعطيك المبرر لتستجيب لدعوات إبليس وتنجر وراء المخدرات وتغرق في مستنقعاتها؟
أجاب: أبنائي.. نظرات أمهم.. إيماءاتهم... غمزهم.. لمزهم، تذبحني في كل لحظة ألتقيهم، لم يرحموني ولم يقدروا ما انا فيه من شعور بالقهر والذل والدونية! خيبت آمال عيالي وأهلي، كشفت لهم عدم قدرتي على ان أجعل منهم شأنا في هذه الحياة، مكانا مرموقا، مرتبة اجتماعية تجعلهم يفخرون بي وأفتخر بهم، تصدق: ينتابني الخوف والقلق على بناتي.
شفيهم؟
منو يطق بابنا لخطبتهم، أبنائي الذكور من يعطيهم؟
قصدك، من يوافق يزوجهم بناته؟
هذا انت قلتها واكررها بحسرة وألم، انا السبب.
قلت: ألم تكن تدرك ان نتائج تعاطيك المخدرات لن تكون أنت الخاسر الوحيد؟ وأنك سبب في تعاسة اسرتك وانهم هم الذين سيدفعون ثمن تلبيتك للدعوة الشيطانية التي استجبت لها بشغف وجنون؟ قد تكون احسن حالا من غيرك من المتعافين من براثن المخدرات، لكنك لاتزال تدفع ثمن فاتورة باهظة لتعاطيك، وستستمر! سؤالي الأخير: هل أنت جاد في التوبة والابتعاد عن المخدرات؟
نظر إلي بابتسامة فيها حياء قائلا: هل يتقبلني المجتمع الذي انت واحد منهم؟ هل تشغلني في شركتك حتى لو مراسلا؟ هل تفتح باب ديوانيتك لأنضم لكم عضوا فيها؟ هل تقبل أن أكون أحد جيران بيتك؟ هل تقبل بصداقة ابني لولدك وابنتي لابنتك؟ لا أجرؤ على ان أطلب يد بنتك لابني، ستقول حتما لن أزوجها لمن سيكون عمها يوما مدمن مخدرات ـ حتى وأنت تبت منها ـ ! كذلك لا انتظر منك ولا حتى أحلم يوما ان تطلب يد ابنتي لابنك لأنك لن تقبل ان تزوجه ابنة من كان مدمن مخدرات... يوجه لي الكلام سائلا: ليش ما تجيب؟! أجبني بصدق أجبك بصدق على سؤالك.
كان هذا حواري مع احد الأبطال التائبين الذين يريدون إيصال رسالة لمدمني المخدرات ليقولوا لهم.. كفى.. إن الله غفور رحيم، أما الناس فهم عباد الله!