- حريصون على عدم إضاعة اللهجة الكويتية التي تحتاج إلى شيء من العناية لمواجهة أخطاء كثيرة في النطق وإضافة كلمات غريبة ليست منها
- البعض يرمي علينا «بدلياتهم» مدّعين أن ألفاظهم من اللهجة الكويتية حتى اختلط الأمر على الأجيال الصاعدة فظنوا نطقهم هو لهجة أهل الكويت
- لهجتنا هي الجامعة والدليل على الشخصية الكويتية ضمن الأدلة الأخرى التي لا تنكر وهي امتداد للغتنا الفصحى وألفاظها الدارجة تمتد بجذورها إلى اللغة الأم
- نرفض أن يطغى اللفظ الدخيل أو تزيد العبارات الشاذة على أصل لهجتنا ونواجه الهجمة الضارية عليها من بعض متصدري الإعلام ووسائل التواصل
- ألفاظ مثل «المرب» و«الراعبي» و«اقلط» و«صوب» و«سكبه» و«اشهب» و«ضبه» و«المطربة» و«متلف» عامية لها أصول في اللغة الأم
- كثير من الألفاظ الفصيحة لا تزال تنطق على ألسنة أهلنا بالكويت حتى اليوم وما انزوى من مثلها مذكور في الشعر النبطي الكويتي المحفوظ في الدواوين والمجموعات الشعرية
يشغلني البحث في اللهجة الكويتية كثيرا، وأعتبر حديثي عنها حديثا مستمرا لأن لغة الحديث في اللهجة العامية وفي اللغة العربية الفصحى تستحق متابعة لا تنتهي لعدة أسباب، منها أن اللغة الفحصى قد تركت لنا تراثا عظيما من النصوص التي تحتوي على الكتابات والخطب والحكايات والأشعار، ويعجب من يتبع هذا الإنتاج اللغوي الواقع لما تتميز به الأمة العربية من ذكاء وتفتح في مختلف المجالات، وخير دليل على ذلك هو ما نراه في إنتاج أبنائها الفكري الذي عبرت عنه لغتها الفصحى. أما اللغة التي نستعملها في خطابنا اليومي في وقتنا الحاضر، وهي ما نطلق عليه اسم: اللهجة العامية، فهي ولا شك ابنة تلك الأم العظيمة التي أشرت إليها. وهي في حد ذاتها لغة تنمو وفقا لنمو الحياة. وقد قيل لنا في الدراسات اللغوية إن اللغة كائن حي، وذلك بسبب ما يطرأ من أبحاث ومن مخترعات، ومن أمور مستجدة تحتاج إلى تسميات، ومن أجل ذلك وجدنا مجامع اللغة العربية التي صار لها دور كبير في مواكبة التطورات التي تقتضي استحداث أسماء لما جد من مخترعات، ومن صفات لبعض المكتشفات في شتى شؤون الحياة.
وقد وردت على الألسنة وبأقلام الكتاب ألفاظ لم تكن معروفة، ولكن الرأي استقر عليها فأصبحت دارجة على الألسنة في الحديث اليومي، وفي الخطاب المكتوب معا. وهذا كله يدل على أن اللغة العربية لغة لا يعجزها التعبير عن كل شيء، ولذا قال شاعر النيل حافظ إبراهيم على لسانها قصيدة من أجود قصائده، جاء فيها:
وسعت كتاب الله لفظا وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
إذن، فهذا هو سبب انشغالي بالبحث في اللغة الفصحى واللهجة العامية معا، ما جعلني أكتب الكثير في هذا الشأن ومن هذا ما جاء على هيئة مقالات، ومنه ما جاء على هيئة كتب كان أولها كتاب: «ألفاظ اللهجة الكويتية في كتاب لسان العرب لابن منظور». ولا أزال ماضيا في انشغالي هذا منذ أن علق بذهني هذا الموضوع المهم الذي دفعني إلى الانغماس في البحث والكتابة. وهو موضوع نجم عن اهتمامي بلغتي العربية وبلهجة بلادي معا. ولم يكن قصدي التوثيق المجرد، ولكنني كنت أهدف إلى أمر آخر مهم هو الحرص على عدم إضاعة اللهجة الكويتية فهي في حاجة إلى شيء من العناية لأنه من الملاحظ أن مما يؤرق كثيرين من أبناء الكويت ما يسمعونه من بعض المتحدثين باللهجة وحديثهم تشوبه أخطاء كثيرة في النطق، وفي إضافة كلمات غريبة ليست من لهجتنا. وللأسف الشديد أننا قد صرنا نستمع إلى ذلك من بعض المتحدثين في وسائل الإعلام وأجهزة التواصل بل وحتى التمثيليات والمسرحيات، وهم مع ذلك يدعون أن هذه الألفاظ التي نراها غريبة عنا إنما هي من صلب اللهجة، وهي لا تعدو أن تكون (بدليات) تخطئ بها ألسنتهم. ولفظ البدليات - كما هو معروف - من ألفاظ لهجتنا وهو يعني إبدال لفظ سليم بلفظ آخر غير سليم، وقد استمرأ البعض هذا الخطأ الذي يزاولونه عند التحدث إلى مستمعيهم حتى صرنا نسمعه منهم في مواقع كثيرة مما ذكرناه وبتنا نستمع إلى لهجة تكاد تكون مختلفة عن لهجتنا، والأشد على النفس أن هؤلاء الذين يرمون علينا (بدلياتهم) يدّعون أن ألفاظهم هذه هي ألفاظ اللهجة الكويتية، ويدافعون عن خطئهم هذا دفاع المستميت، وكأننا - نحن المتمسكين بلهجتنا - نتحدث بلهجة مختلفة لا علاقة لها بما يرون أنه هو اللهجة الكويتية. وقد ساروا على هذا النهج حتى اختلط الأمر على الأجيال الكويتية الصاعدة، فظنوا أن ما ينطق به هؤلاء هو لهجة أهل الكويت، فمضوا على نهجهم، ما جعل الخطر على لهجتنا محدقا من جانبين هما الحاضر والمستقبل.
أثير هذا الأمر وأنا على يقين من أن هذا الذي يحدث للهجتنا سوف يكون ضارا بنا على المدى القصير القادم، لأن هذه اللهجة التي تجمعنا هي الدليل على الشخصية الكويتية ضمن الأدلة الأخرى التي لا تنكر، وهي التي تثبت قوة الاتصال بين أبناء الشعب، وتظهر مدى التعاون بينهم في جميع الأحوال.
كل هذا إضافة إلى التأكيد على أن لهجتنا إنما هي امتداد للغتنا العربية الفصحى، والمتتبع لمجمل الألفاظ الدارجة عندنا يجدها - بصورة ما - تمتد بجذورها إلى اللغة الأم، بينما نرى الذين يلوون ألسنتهم بألفاظ يدّعون أنها ألفاظ ترد ضمن لهجة أهل الكويت، إنما يتحدثون بما لم يتحدث به الآباء الكويتيون، ولم تعرفه لهجتنا على الإطلاق، لا من حيث الألفاظ ذاتها، ولا من حيث أسلوب الحديث.
٭ ٭ ٭
وليس غريبا أن تستمد لهجتنا معظم ألفاظها من اللغة العربية الفصحى، فأبناء الكويت عرب، وهم من نسل أولئك الذين يتحدثون اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ولا عجب في أن يطرأ على لغة الحديث اليومي عندنا، مع مرور الزمن والاختلاط بأجناس متعددة أخرى بعض التغيير بإضافة ألفاظ لم تكن دارجة من قبل، ولكن هذه الألفاظ الدخيلة ليست من الكثرة بحيث تؤثر على الصورة العامة للهجة، وتمحو الصلة الوثقى التي تربط حديثنا اليومي مع بعضنا بأصول اللغة الفصحى، وهذا أمر مقبول، ولكن ما نرفضه هو أن يطغى اللفظ الدخيل أو تزيد العبارات الشاذة على أصل لهجتنا. ونحن نؤكد على هذا الأمر في مواجهة ما نراه من إصرار البعض على اقتحام اللهجة الكويتية، بواسطة ما أتيح لهم من تصدر في وسائل الإعلام المختلفة، وفي وسائل الاتصال الاجتماعية التي نسمع من خلالها كل ما يريد المرء أن يستدل عليه من جَوْر هجمة ضارية على لهجة بلادنا، وبالتالي على هيئة المجتمع الناطق بهذه اللهجة.
٭ ٭ ٭
أكدنا مرارا على ارتباط اللهجة الكويتية بأصولها الفصيحة، وهو ما يدعو الى التأكيد على ضرورة الاهتمام بها، وعدم إدخال أي غريب من الألفاظ عليها. ومن هنا فإنه لابد من تقديم الدليل على أن ألفاظ اللهجة الكويتية بشكل عام ألفاظ فصحية، ولابد لنا على ذلك من الرجوع الى الأصول العربية للغة. وهي أصول أثبتتها كتب ألفها علماء ثقاة، لم يأتوا بما ورد فيها إلا استنادا على سماع ما كان يتحدث به الأولون شعرا ونثرا.
هذه الكتب التي نعتمد عليها هنا في المقارنة بين بعض ما ورد فيها، وجاء مثيله في لهجتنا، هي القواميس، ومفردها قاموس، وهي - أيضا - كتب تضاف الى القواميس لأنها تتحدث عن اللغة بصورة عامة.
ومن أشهرها:
1- القاموس المحيط: وهو كتاب من أهم الكتب المبينة لمعاني ألفاظ اللغة العربية، ألفه محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، وطبع في مصر سنة 1951م.
2- كتاب تاج العروس من جواهر القاموس: وهو من تأليف السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي. وقد طبع هذا القاموس الواسع في أربعين مجلدا ونشرت الطبعة الثالثة منه في سنة 1993م. وقد قامت بطبعه وزارة الإعلام في الكويت ضمن سلسلة كانت تصدرها تحت عنوان «التراث العربي» وقد أشرفت على نشر الطبعة الأولى لجنة كان من أعضائها الأستاذ أحمد البشر الرومي والأستاذ عبدالرزاق البصير. وكان لي شرف العضوية في هذه اللجنة، وقد بدأ عملها في سنة 1963م، ولكن جهدها الخاص بكتاب تاج العروس لم ير النور إلا في سنة 1965م، وذلك لأن فترة الإعداد والتحقيق والطبع كانت من أسباب تأخير صدوره.
أما مؤلف هذا الكتاب فقد كان من مواليد سنة 1145هـ (1732م) وهو عالم جليل، له اختصاص في علم اللغة، وله مؤلفات كثيرة، كما أن له مجالس درس يحضر إليه فيها طلاب العلم.
3- كتاب لسان العرب: وهو من تأليف محمد بن مكرم بن منظور، طبع عدة طبعات آخرها طبعة دار صادر ببيروت سنة 1955م، وهي في خمسة عشر مجلدا. وقد صار هذا الكتاب من أكثر المعاجم تداولا. وهو يستحق ذلك.
ولد ابن منظور في سنة 1232م، وتلقى العلم على أيدي عدد من علماء عصره. وصار بعد ذلك ناشرا للعلم عن طريق طلابه الذين يتولى تدريسهم في مجالسه العلمية، وكتبه الكثيرة التي ألفها طوال حياته بلا توقف، الى أن توفي سنة 1313م.
4- كتاب إصلاح المنطق: وهو من تأليف يعقوب ابن السكيت المنشور في سنة 1949م، عن دار المعارف بمصر. وقد تولى القيام بتحقيقه والتعليق عليه الأستاذان أحمد محمد شاكر وعبدالسلام محمد هارون.
ولد ابن السكيت سنة 186هـ (802م) وتوفي سنة 244هـ (858م)، وقد وصف بأنه من أصحاب الفضل والدين وأنه موثوق به، وذكر الذين تلقى عنهم العلم فوردت إلينا أسماء أصحابها وهم من ذوي المكانة العالية في العلم وعلى الأخص في اللغة والأدب.
وقد سبق لي الاهتمام بهذا الكتاب عندما استخرجت منه الألفاظ الفصيحة التي ترد في اللهجة الكويتية، وذلك بكتابي: «ألفاظ اللهجة الكويتية في كتاب: إصلاح المنطق لابن السكيت»، وقد صدر في الكويت سنة 2007م.
5-كتاب المحكم والمحيط الأعظم: وهو أحد المعاجم الواسعة المعنية بألفاظ اللغة العربية، ألفه على بن سيده الأندلسي المتوفى سنة 1066م. وهو من إصدار معهد المخطوطات العربية.
فهذه كتب مما يعد من أفضل ما جاء من المعاجم العربية، ونحن سعداء اذ نجدها محققة أفضل تحقيق ومطبوعة بأجود طباعة، نقرؤها ويقرؤها من يلينا، فهي آثار مهمة من آثار ثقافتنا.
٭ ٭ ٭
ننتقل - بعد ما تقدم - إلى تقديم الأمثلة على وجود ألفاظ فصحية في لهجة أبناء الكويت هي أصلا من ألفاظ اللغة العربية الأم. وسيكون ما نقدمه هنا قليلا لأن المراد به تقديم الدليل لا حصر هذه الألفاظ، وذلك لأن العناية الأكبر بمثل هذا الموضوع تأتي في الكتب. لذا فإن خوف الإطالة هنا يدفعنا الى اختيار عدد محدود من الألفاظ التي جاءت على الصفة التي ذكرناها في كتاب «لسان العرب» لكي نقدمها بصفتها أمثلة لما نريد أن نثبته، وسيكون الاختيار من المجلد الأول وحده.
ومن هنا نبدأ:
1- يبحث صيادو الأسماك عندنا عن الأمكنة البحرية التي تكثر فيها الأسماك. وقد يجدون ما يبحثون عنه في أماكن يستدلون عليها في تجمعات (سمكية) تكون ملائمة للصيد، ويطلق على هذا المكان - في اللهجة الكويتية - لفظ: مرب. ويقال عن السمك أنه راب فيه. وهذا اللفظ مأخوذ من الفصحى، فقد ذكره مؤلف كتاب لسان العرب فقال: «المرب: المحل، ومكان الإقامة والاجتماع»، وحيث إن الصيادين قد شاهدوا سمكا كثيرا مجتمعا في موضع محدد فإنهم يقولون عنه إنه (أي السمك) رأب في هذا المكان، ويقولون: هذا المكان هو مربه. أي مكان اجتماعه.
2-من أنواع الحمام عندنا الحمامة الراعبية. وفي هذا يقول ابن منظور: «والراعبي جنس من الحمام». وذكر أن سبب إطلاق هذا الاسم على ذلك النوع من الحمام هو شدة صوته وترديده هذا الصوت.
وقد ورد ذكر الحمامة الراعبية في الغناء الشعبي الكويتي، ومن ذلك ما نسمعه في إحدى الأغاني المتداولة التي شبه الشاعر فيها فتاته التي يهواها، وبهره صوتها الرقيق، بالحمامة الراعبية، وغنت إحدى المغنيات الشعبيات ما قاله هذا الشاعر على لحن السامري فهتفت بذلك قائلة:
سبب قلبي اعيونه هيضني
تولع خاطري بالراعبيه
صواب صابني واظهر دمايه
غريب الدار ما داس الخطيه
وحال الباب والشباك دوني
دريشة حجرته تضوي عليه
يقول اقلط وبالك لا تهابي
وأخاف اقلط وتدني لي المنيه
(اقلط: ادخل)
3- وورد في الكتاب المذكور لفظ: صوب، ويقصد به: الجهة. وفي هذا يقول المؤلف: «والعرب تقول للسائر في الفلاة يقطعها بالحدس إذا زاغ عن المقصد: أقم صوبك، أي: قصدك. ويقال: فلان مستقيم الصوب إذا لم يزغ عن قصده، يمينا أو شمالا في مسيره».
(قوله: يزغ، معناه: يخرج عن مساره)
وفي لهجتنا نقول ردا على سؤال من يسأل عن شيء ما في أي جهة هو: ذاك الصوب. بمعنى تلك الجهة. ولهذا اللفظ ذكر في الأغاني الشعبية الكويتية، ومن هذا قول الشاعر الكويتي الشعبي فهد بورسلي:
عشرين يوم ونا اشم الهوي من كل صوب
بين البساتين والورد وارياح خنينه
4- نقول في لهجتنا: دخل علينا فلان في سكبته. واذا رأينا شخصا تام الهيئة بلباس أنيق قلنا: فلان سكبه.
ولهذا اللفظ أصل في اللغة العربية الفصحى ذكره ابن منظور في كتابه فقال:
«والسكبة: الخرقة التي تقور على الرأس. والسكب ضرب من الثياب رقيق كأنه سكب ماء من الرقة». ولعل هذا اللفظ قد دخل الى لهجتنا من هذا المعنى، فإن الرجل الذي يوصف بأنه سكبه هو الذي يلبس ملابس لائقة به من حيث نوعها ووصفها.
5- لفظ «أشهب» من الألفاظ التي تطلق على لون بعينه، وهو في الفصحى بحسب وصف كتاب لسان العرب له: «لون بياض بصدعه سواد»، وهو كذلك في اللهجة.
6- من معاني لفظ (ضب) في الفصحى ما ذكره ابن منظور فقال: «وأضب القوم: صاحوا وجلبوا». ولا يكونون كذلك إلا إذا كانوا مجتمعين. وهذا الاجتماع مع الضجيج الذي يحدث بسببه هو ما نطلق عليه في لهجتنا لفظ: ضبه.
ومن هذا اللفظ - وفقا لما ورد في لسان العرب - ما أطلق عليه لفظ: التضبيب، وقال عنه إنه: «شدة القبض على الشيء كيلا ينفلت». ومنه عندنا (التضبيب) الذي كان يجري - قديما - على السيارات الجديدة بعد فترة من انطلاقها حتى يتم شد أجزائها.
7- وفي مادة (طرب) يقول ابن منظور: «والمطرب والمطربة: الطريق الضيق، ولا فعل له، والجمع: المطارب. قال الشاعر:
ومتلف مثل فرق الرأس تحلجه
مطارب، زقب، أميالها فيح
وأما قوله: متلف، بمعنى أنه يتلف المار به لضيقه وطول مداه، والزقب وصف للمطارب بالضيق.
أما قوله: مثل فرق الرأس، فهذا وصف آخر لضيق الطريق، فهو طريق (تحلجه) أي تتجاذبه عدة مخارج تؤدى بسالكه الى طرق أخرى بعيدة المسافات وواسعة.
وفي الكويت موقع معروف يسمى: مطربة، يؤدي إليه طريق ضيق. وهو في حالته التي هو عليها مشابه لما جاء في وصف ابن منظور الذي أشرنا اليه آنفا.
و«مطربة» اليوم مكان يقع في شمال غربي العاصمة الكويتية، وفيه يجري العمل على استخراج النفط وتخزينه بعد أن تم اكتشافه هناك سنة 2006م.
8- ورد في كتاب «لسان العرب» لفظ: جاسي، بمعنى يابس، ومثل له ابن منظور بقوله: أرض جاسية بمعنى يابسة، وذكر أن من تصاريف هذا اللفظ: جسأ، يقال: جسأت يده بسبب العمل إذا صارت: صلبة.
وهذا اللفظ دارج في لهجتنا، وهو يأتي عندنا - أحياناً - بمعنى القسوة، ولذا يقول شاعرنا الشعبي:
آه يا جاسي أنا فيك ابتليت
هذا حظي والطريج اللي مشيت
أنت مكنت الصواب ابهمجيني
وبعدها يا زين عن عيني جفيت
9- تمر بالمرأة في بداية حملها حالة تسببها التغيرات التي تحدث لها في هذه الفترة. وهي حالة معروفة يقال لها عندنا: النساة، ويقال: هذه المرأة تتنسى، وفي الفصحى يقال: نسأت المرأة بهذا المعنى الذي ذكرناه.
10- وفي الفصحى لفظ يأتي التعبير به عن تراكم الغيوم في السماء لبدء هطول المطر، وفي هذه الحالة يقال: نشت السحابة، واللفظ معروف لدينا. قال الشاعر الشعبي:
مشينا ولا الرجل ملت
ولا العين جاها بلاها
نشت مزنة واستهلت
على الحاجر امطر سماها
ومنها المسايل تملت
ويا زين مشروب ماها
أما النص الوارد في كتاب لسان العرب فهو كما يلي: «نشأ السحاب: ارتفع وبدا».
11- لفظ: زعب، بين ابن منظور معنى هذا اللفظ فقال عنه إنه يدل على حمل قربة الماء وهي ممتلئة، إذا كان يحملها المرء وهو يسير بها في مشقة حتى يصل بها إلى الموضع الذي يريد إيصالها إليه. كما بين أن هذا اللفظ قد ورد في حديث (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولفظ (زعب) في لهجتنا له معنى يقترب كثيرا من المعنى المقصود في اللغة العربية الفصحى، فهو مما يطلق عندنا على استخراج الماء من البر بواسطة الدلو المتصلة بحبل طويل إذا جرها الراغب في الماء عن طريق حبلها فهو يزعبها حين تكون قد امتلأت ماء.
12- وجاء في لسان العرب لفظ (القبقاب)، حيث ذكره المؤلف على أنه النعل المتخذ من خشب، وهو عندنا كذلك.
وكان القبقاب مستعملا في الماضي أثناء دخول الحمام، أو عند السير في ساحة المنزل وقت هطول المطر.
13- من أسماء أجزاء سعف النخل ما يطلق على الجزء العلوي من كل سعفة، وهو الجزء العريض الذي يلتصق في أصل النخلة، ونسميه: الكرب، كما تسمى الواحدة منه: اكربه.
وقد ذكر ابن منظور ذلك، فقال: «وكرب النخل: أصول السعف»، وفي المحكم: «الكرب أصول السعف الغلاظ العراض».
وكان الكرب يستعمل في الماضي عند إشعال النار، كما يربط في شباك صيد السمك حتى تبقى طافية على وجه الماء، من أجل تسهيل الصيد.
أما السعف (كاملا) فيستفاد منه في الوقود، وفي صناعة الأقفاص، وإعداد سرر الأطفال التي تسمى المناز، ومفردها: (منز)، ولم يكن البيت الكويتي يستغني عن السعف.
14- بين ابن منظور أن لفظ (المنقبة) معناه الطريق بين دارين. وكان قد قال إن النقب هو الثقب، وهو كذلك في اللهجة الكويتية. أما المنقبة فيطلق عليها عندنا اسم: النقبة، وهي فتحة في حجم الباب بين بيتين في جدار يفصلهما، وذلك لتسهيل اتصال سكان هذين البيتين. وهذا يتم عندما تكون بين الطرفين صلة قرابة، أو علاقة متينة جدا.
15- إذا رأى أحدنا شخصا يحوم ماشيا حول موضع من المواضع لا يخرج عنه، قيل: ما لهذا الرجل يلوب في موضعه.
وقد نقل ابن منظور عن عبدالملك بن قريب الأصمعي وهو راوية لغوي مشهور، أنه قال: إذا طافت الإبل على حوض الماء ولم تقدر على الوصول إليه حتى تشرب، وكان ذلك بسبب الزحام الشديد حوله قيل: لابت وهو من اللوب.
ووصل استعمال هذا اللفظ عند إطلاقه إلى حالة تختلف عما تم ذكره، فإننا نرى أهل المنزل يقولون لأحدهم اذا رأوه يتحرك كثيرا في المكان:
(اش هاللوبة؟) أي: ما هذه اللوبة؟. واللفظ واحد، وكذلك المعنى.
٭ ٭ ٭
إن الأمثلة على استعمال اللهجة الكويتية لألفاظ هي من صميم أمها الفصحى أمثلة كثيرة تصعب الإحاطة بها، لكن ما تقدم هنا لا يعدو أن يكون بعضا مما يأتي به الاستدلال على ما ذكرناه، وما حاولنا به دفع الضرر عن لغتنا وعن لهجتنا في وقت واحد.
ونضيف إلى هذا أن كثيرا من الألفاظ الفصيحة لاتزال تنطق على ألسنة أهلنا في الكويت حتى اليوم. بل إن ما انزوى من أمثال هذه الألفاظ وأصبح غير دارج على الألسنة في أسلوب الخطاب العادي مذكور في قصائد الشعر النبطي الذي يتردد بيننا مما أبدعه شعراء الكويت، وكل أشعارهم الدالة على ذلك محفوظة في دواوين أو مجموعات شعرية مطبوعة وهي بين أيدينا الآن.
ويكفينا أن نختم حديثنا هذا بأبيات من قصيدة للشاعر الكبير عبدالله محمد الفرج، وهي من قصائده التي أخذت طريقها الى الغناء فغناها عدد من المغنين، ومما قاله فيها:
جرى الدمع من عيني على الخد وانتثر
وبيح ابسدى يا علي دمعي الجاري
شجاني حمام ناح بالمورق الخضر
وهيض غرامي تالي الليل وأفكاري
ألا واشقا قلبي من الويل لى ذكر
حبيب جفاني يوم رنت به أشعاري
جفاني وعرض بالجفا روحي الوعر
وجسمي دعاه امن اللحم ناحل عاري
نحل حالتي هجره ويا ليت ما هجر
امحب يروف ابحالته دوم ويداري
والقارئ لهذه القصيدة يجدها تضم ألفاظا فصيحة كثيرة، وهذه هي عادة هذا الشعر، وغيره من شعراء الكويت، ونحن نرى من هذه الألفاظ: بيح بمعنى باح، وشجاني بمعنى أحزنني، وقوله (المورق الخضر)، ويرمز به إلى الشجر. ولفظ: واشقا، بمعنى: ما أشقى. وغير ذلك مما ورد في باقي القصيدة.
وأخيرا، فإن مما يحسن الختام به التأكيد على ضرورة الاهتمام بلهجتنا، وعدم خلطها بغيرها، وبخاصة ونحن قد رأينا لها أصالة متصلة باللغة العربية الفصحى التي تجمع الأمة بأسرها.