في عالم يتحرك بسرعة نحو الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، برزت تقنية الـ «ديب فيك» (Deepfake) كواحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات. هذه التقنية، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتزوير الفيديوهات والأصوات بطريقة تجعلها تبدو حقيقية تماما، تحمل في طياتها إمكانيات هائلة ولكنها تثير مخاوف عميقة بسبب مخاطرها المتزايدة. في عام 2020، تعرضت صحافية هندية لعملية تشويه سمعة عبر تقنية «ديب فيك»، حيث نشرت فيديوهات مزيفة تظهرها في مواقف غير أخلاقية. أثر هذا الفيديو بشكل كبير على حياتها الشخصية والمهنية، مما دفعها إلى اللجوء للقضاء ووسائل الإعلام للدفاع عن نفسها.
هذه الحادثة ليست معزولة، بل هي مثال واقعي على كيف يمكن أن تستخدم هذه التقنية للإيذاء والتلاعب كيف تعمل «الديب فيك»؟ تعتمد هذه التقنية على شبكات عصبية تعرف بالشبكات التوليدية التنافسية (GANs). هذه الشبكات تعمل عبر آلية تعاون بين طرفين:
٭ الشبكة المولدة تصمم فيديوهات أو أصوات مزيفة تحاكي المحتوى الحقيقي.
٭ الشبكة المميزة تقيم المحتوى المولد وتحسن جودته ليبدو أكثر واقعية.
تكرار هذه العملية ينتج عنه محتوى يصعب تمييزه عن الحقيقي.
وعن مضار الـ «ديب فيك» فإن استخدامه يحمل تأثيرات خطيرة على مختلف الأصعدة. على الصعيد الشخصي، يمكن أن يتسبب في الابتزاز أو تشويه السمعة من خلال إنشاء مقاطع مزيفة تظهر الأفراد في مواقف غير لائقة، مما يؤدي إلى أضرار نفسية واجتماعية جسيمة. أما على الصعيد السياسي والأمني، فقد يستخدم لتزوير خطابات أو مقاطع تؤدي إلى نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار الوطني. وفيما يخص الأعمال، ظهرت حالات استخدمت فيها أصوات مزيفة لخداع الشركات وإجراء معاملات مالية احتيالية. الأثر الأكبر لهذه التقنية يكمن في تراجع الثقة بالمحتوى الرقمي، إذ بات الجمهور يشكك في مصداقية الفيديوهات والتسجيلات الصوتية، مما يهدد مصداقية الإعلام والأفراد على حد سواء. كيف يتم استخدام الـ «ديب فيك»؟ رغم سمعتها السلبية، إلا أن الـ «ديب فيك» لها استخدامات إيجابية. في قطاع السينما والإعلام، تستخدم التقنية لإعادة بناء مشاهد قديمة أو تحسين جودة المحتوى.
كما أنها تسهم في تطوير وسائل تعليمية مبتكرة تسهل عملية التعلم عبر إنشاء مواد تفاعلية. ولكن، في الجانب السلبي، يتم توظيف
الـ «ديب فيك» لتحقيق أهداف ضارة مثل الابتزاز الشخصي من خلال إنشاء مقاطع مزيفة، أو تضليل الرأي العام بنشر معلومات زائفة، أو حتى تنفيذ جرائم إلكترونية وانتحال الشخصيات لإجراء معاملات غير قانونية. للحماية من مخاطر
الـ «ديب فيك»، يجب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية هذه التقنية وكيفية الحذر منها. يمكن تحقيق ذلك عبر برامج تعليمية وورش توعوية تركز على التفكير النقدي عند التعامل مع المحتوى الرقمي. التحقق من المصادر يعد خطوة ضرورية لتجنب الوقوع في فخ المعلومات المزيفة. من المهم الاعتماد على وسائل إعلام موثوقة، واستخدام أدوات متخصصة لكشف التزييف مثل تطبيقات وتقنيات تحليل الفيديو. كما تلعب التكنولوجيا دورا رئيسيا في مكافحة الـ «ديب فيك» من خلال تطوير برامج متقدمة لكشف المحتوى المزيف والتأكد من صحة البيانات باستخدام التوقيعات الرقمية. إلى جانب ذلك، يجب تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن أي محتوى مشكوك فيه للجهات المختصة.
ختاما الـ «ديب فيك» سلاح ذو حدين. قوتها في الإبداع يقابلها خطر التلاعب والتضليل. الحل يكمن في الوعي والحذر. يجب علينا أن نكون أذكى من التقنيات التي قد تستخدم ضدنا، وأن نجعل من التكنولوجيا حليفا لمعرفة الحقيقة