يقول الإمام الشافعي، رحمه الله، «أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ورغب في مودة من لا ينفعه».
هناك الكثير من الاشخاص من يعمل على عض اليد التي أحسنت إليه للأسف، وكأنه يرى في الإحسان إليه نوعا من إهانة يردها بالإساءة انتقاما بسبب لؤم وخبث طبعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا ما لم تسئ إلى من أحسن إليها».
لذلك يجب أن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين، وعلينا ألا نضيع سنوات من أعمارنا هباء حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل اشخاص لم يقدروا هذا العطاء بل سرعان ما يتنكرون له ويجحدونه في غمضة عين.
وعلينا جميعا الحرص على أن تكون لنا علاقة قوية بالله تحمينا من تقلبات الأيام وجحود البشر وخذلانهم لنا وأن تكون عندنا الشجاعة في التأقلم مع الحياة على الرغم مما فيها من مصائب وآلام وصدمات، والرضا بها، وأن نعلم ان في كل شيء حكمة ولكل شيء مغزى وأجمل مظاهر الشجاعة شجاعة نسيان الإساءة!
كثيرا ما نقف بيننا وبين أنفسنا بعد مرور السنين لنشكر في سرنا إلى من أساءوا إلينا ذات يوم، بعد أن نكتشف كم استفزوا في داخلنا طاقات كامنة برزت إلى وعينا لنرد اعتبارنا عن تلك الإساءة، وكم هم أفادونا من حيث لا يدرون ولا ندري.
فإذا كنا نعامل شخصا ما باللين والحب والاحترام والرحمة والإيثار.. إلخ، وهو يعاملنا بالغلظة، فأقل شيء أن نتجنبه ما دمنا فشلنا في كل محاولاتنا إصلاحه وعودته إلى صوابه، وجميل أن يتصف المرء بالرحمة والإيثار ووعي الضمير ومراعاة حقوق الآخرين، فكلما كان أوفر تواضعا وأبسط حياة وأقرب إلى الناس كان أوفر سعادة، لكن أن تتواضع لبعض الناس الذين تغيرت طباعهم وانطباعاتهم معا وتبدلت نظرتهم إلى الآخرين وإلى أنفسهم واختفت البسمة من على وجوههم وغابت في غيوم المادة والمظاهر وتاهت في مدارات الدرهم والدينار وغاب لديهم الوازع الديني والأخلاقي واتصفوا بالأنانية وموت الضمير، إذ يجد الإنسان منهم للأسف تعنتا وإصرارا على ما هم فيه.
وكثير من الناس لا يقدرون أحيانا التواضع فدائما يعتبرونه سذاجة وبساطة بمعناها السلبي والأمثلة على ذلك كثيرة حين تبدي التعاطف والتقدير والاهتمام لشخص ما ستطرح عليك تساؤلات وشكوك عدة حتى من قبل الشخص الذي تهتم به وقد يظن الظنون أو يأخذه الغرور والكبر.
بعض علماء النفس يعزون مظاهر الحسد والحقد والضغينة إلى الصفات الغالبة لبعض الناس بسبب فشلهم في حياتهم وانطوائهم على أنفسهم.
أخيرا ليس هناك علاج أفضل لهذه الانحرافات السلوكية من عودة الصفات الأصيلة إلى نفوسنا وحياتنا التي اختفت إلى حد ما كالإخلاص والحب والاعتراف بالجميل والصدق والصداقة التي باتت نادرة في أيامنا هذه، وأن يكون للإنسان معنى لحياته بأن يبحث عن الصفات المميزة للعلاقات الإنسانية في شتى مجالات حياته كما في الحب وأن يكون هدف الإنسان في هذه الحياة هو قبل كل شيء تحقيق إنسانيته عن طريق فعل الخير والعطاء الذي هو الحياة.