هناك شبه إجماع على جودة العمالة الفلبينية، وطيبتها وحسن أخلاقها في التعامل مع الآخرين، وجودة منتجاتها. بالتأكيد أنه لم يأت هذا الانطباع بسبب الصدفة، فهناك ثقافة فلبينية راسخة تدعم هذا السلوك الجمعي في المجتمع الفلبيني، وأهم ما يدعم ذلك هو فلسفة الكابوا الذي يقصد بها الشريك، وتستخدم للدلالة على الشخص الآخر، فالفلبيني ينظر إلى الأشخاص الآخرين بسبب هذه الفلسفة بأنهم ليسوا آخرين فقط، بل هم شركاء لي في الحياة، وهم جزء من ذاتي وأنا جزء من ذواتهم. وهذا يسبب انسجاما تاما بين أفراد أي مجتمع يؤمن بالكابوا أو الشراكة بين أفراده.
الفلبين كسائر دول شرق آسيا تعاني من الكوارث الطبيعية بشكل متكرر، فالأعاصير الشديدة تتكرر 20 مرة في السنة، والفيضانات تسود البلاد خلال موسم الأمطار، وتحدث خلال هذه الفترة انهيارات أرضية، والزلازل كل بضع سنوات تدمر مقاطعات بأكملها، فالتكاتف بالنسبة للمجتمع الفلبيني أسلوب حياة، فلو لم يقم المجتمع بمساندة بعضه البعض، لاختفى هذا المجتمع من الوجود، وهنا تظهر أهمية فلسفة الكابوا، فهي تعني الذوبان في الآخر، ونتيجة لذلك يذوب المجتمع في نفسه، فتصبح المصلحة العامة أهم من المصلحة الخاصة، ومن يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع، يتعرض للعقاب من المجتمع حتى لو لم يتجاوز القوانين.
البيانيهان هو مفهوم فلسفي فلبيني آخر، خرج بسبب نفس الظروف السابقة، ومعناه «التكاتف المجتمعي» أو «العمل الجماعي القائم على التعاضد»، لكنها تحمل أبعادا تاريخية وثقافية أعمق من مجرد التعاون، لا يقتصر المفهوم على التعاون في الأعمال اليومية فقط، بل ينطوي على استعداد داخلي للتضحية بالوقت والجهد لخدمة الآخرين دون انتظار مردود أو مكافأة فورية، فتاريخيا، نشأت فلسفتا البيانيهان والكابوا في القرى الزراعية، حيث كانت المجتمعات صغيرة ومترابطة، وتحتاج إلى التكاتف لحفر قنوات الري أو بناء بيوت خشبية، ولأن الفلبين عبارة عن أرخبيل من الجزر، كانت الكثير من القرى شبه منعزلة، فإن لم أساعد جاري في معضلته فمن الذي سوف يساعدني في مشكلتي، لذا كان هذين المفهومين هما طريقتهم للبقاء والاستمرار، ومع الوقت انعكس ذلك على الفلسفة الفلبينية عموما في شكل قيمة عليا تدعو إلى المبادرة الجماعية عند حدوث أزمة أو وجود حاجة ملحة.
وبسبب هاتين الفلسفتين، نشاهد كيف يقوم الفلبينيون في القرى بالتجمع لحمل بيوت أحد السكان الخشبية، ونقله إلى مكان آخر، لتوسعة مكان للزراعة، أو لبيع الأرض، بقواهم الجسدية فقط، يجتمع أهالي القرية، ودون أن يكون هناك مقابل مادي، وبسبب هذين المفهومين نخرج بانطباع على جودة العمالة الفلبينية، وانسجامهم في مجتمعاتنا، وهذا لا يعني أن هذه الجالية خالية من العيوب، فحدوث بعض الحوادث الإجرامية التي تخرج من إطار الثقافة الفلبينية، لا يجعلنا ننسى محاسنهم.
في النهاية لا يوجد مجتمع بشري يخلو من العيوب.
tab6_khayran@